فى حديث المحظورات: الصحفى والسياسى إيد واحدة - نجلاء العمري - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى حديث المحظورات: الصحفى والسياسى إيد واحدة

نشر فى : الخميس 14 نوفمبر 2013 - 7:30 ص | آخر تحديث : الخميس 14 نوفمبر 2013 - 7:30 ص

هذا موضوع من محظورات الإعلام المصرى. ليس فقط لأنه من المسكوت عنه ولكن لأن ممارسات استقرت وجعلت منه أمرا «طبيعيا» لا يثير التساؤلات. يتقبله الجميع بل ويخضعون له رغم أن هذا الأمر على وجه التحديد هو لب العملية الديمقراطية والاساس الأول لحرية الإعلام ولممارسة الصحفى لدوره كضمير للمجتمع.

والامر الذى اعنيه هنا هو علاقة الصحفى بمصدره. وهى علاقة ملتبسة بطبيعتها وشديدة الحساسية. فالصحفى فى حاجة الى علاقة جيدة لكى يضمن تعاون المصدر معه. والمصدر فى حاجة الى تحسين صورته فى وسائل الإعلام (على طريقة تربية الاذرع). لكن الخطر يبدأ عندما يتحول هذا الاحتياج المتبادل الى علاقة استيعاب للصحفى من قبل المصدر سواء بالترغيب أو الترهيب. فتتضاءل المسافة وتتحول «شعرة معاوية» الى رابطة تحول «المحاسبة» الى التبرير والتلميع واحيانا حتى الدعاية.

علاقة ليست «خاصة»

الصيف الماضى ونتيجة لفضيحة التنصت التى طالت صحيفة «اخبار العالم» News of the World المملوكة لروبرت ماردوخ والتى تحاكم الآن بسببها رئيسة التحرير «ريبيكا بروكس»، فتح ملف اخلاقيات الصحافة فى بريطانيا. وتولت لجنة برئاسة قاض، لإعداد تقرير مطول لوضع توصيات تحول فى المستقبل دون تكرار مثل هذه التجاوزات.

لكن عمل اللجنة اتسع ليضع تقييما شاملا للصحافة المكتوبة فى بريطانيا التى تخضع للتنظيم الذاتى فقط. اللجنة استجوبت العديد من الشخصيات من صحفيين وملاك للصحف وأيضا من سياسيين.

وجاء على رأس من استجوبتهم رئيس الوزراء «دافيد كاميرون» الذى أدلى بشهادة نقلتها محطات التليفزيون على الهواء مباشرة على مدى يومين كاملين.

تابع البريطانيون رئيس الوزراء وهو يقدم للقاضى قائمة مفصلة بكل دعوات الغداء والعشاء التى دعا إليها صحفيين بما فى ذلك الدعوات الخاصة. وكان المنطق وراء ذلك أن أى علاقة خاصة تربط رئيس الوزراء بصحفى بعينه يجب ألا تكون ميزة لهذا الصحفى على زملائه ويجب ألا تعطيه الحق فى أن يعرف أكثر أو أن يستخدم الوسيلة التى يعمل بها بوقا للدعاية لأكبر مسئول فى الدولة.

قدم كاميرون القائمة كاملة. كما اضطر للإجابة بالتفصيل عن طبيعة العلاقة التى تربط عائلته بربيكا وعائلتها. وسئل بالتحديد عن عطلة لنهاية الأسبوع لبت فيها ربيكا وزوجها دعوة رئيس الوزراء وزوجته فى منزلهما الريفى. عن الاحاديث التى كانت تدور بينهما وما اذا كانت تتطرق الى السياسة. وما اذا كان قد خص ربيكا بهذه المناسبة بأى معلومات خاصة. بل إن القاضى استجوبه عن رسالة التقطت من هاتفه ارسلتها له ربيكا تقول فيها: «نحن فى هذا الأمر سويا».

وبعيدا عن التفاصيل الكثيرة التى جعلت البريطانيين يتابعون ساعات طويلة من الاسئلة والاجوبة، كان العنوان الاكبر: المعلومة هى حق للمواطن وحق للصحفى بغض النظر عن أى علاقة خاصة تربطه بالسياسى. ولا يجوز أن تتحول فى يد السياسى الى ميزة يمنحها لمن يشاء من الصحفيين ويمنعها إن أراد العقاب.

الكل يخسر

الشهر الماضى شاركت فى لجنة تحكيم دولية لجوائز للصحفيين الشبان. اعضاء اللجنة من مؤسسات مختلفة لكنها تمثل المدارس الصحفية الكبرى فى العالم. لم نختلف كلجنة تحكيم كثيرا لكننا توقفنا طويلا امام عمل كان يستحق بجدارة احدى الجوائز لولا شائبة واحدة. لقطات للصحفى مع مسئول كبير. كانت حجة الرافضين منحه الجائزة انه لم يسأل المسئول سؤالا «حقيقيا» واحدا. وعلق رئيس اللجنة: يجب أن يتعلم الجيل الجديد أن وظيفتنا ان «نغضب» القادة لا ان نعجب بهم» واصر ــ ونحن معه ــ على ان تكون هذه هى رسالة لجنة التحكيم لكل الفائزين.

فى الممارسة المصرية بشكل عام «اغضاب المصدر» غير وارد ــ إلا طبعا مع من يضعهم الصحفى فى خانة «الاعداء». والشعرة الدقيقة بين العلاقة القائمة على الاحترام المتبادل للأدوار تميل بأكثر ما تميل الى «الحنية» و«مافيش داعى نزعله أو نحرجه». فينعكس ذلك على الاسئلة التى نادرا ما تكون «اسئلة» فى المؤتمرات الصحفية وفى الحوارات «الناعمة»، وفى صور مفرودة على مساحات غير منطقية تصل احيانا الى ثلث صفحة من الحجم الكبير والى عناوين «منتقاة بعناية». وتمر صور المسئول وهو يصافح الصحفى بترحاب شديد بكلتا يديه مرور الكرام بل وبالعكس تتصدر الحوار.

ويصبح من الطبيعى أن ينزعج المسئول بشدة وينظر إليك شذرا إن انت سألت «معلهش لكن ماذا يعنى ذلك» ــ فالمعتاد أن كلامه لا يفند. وهو نفس المسئول الذى لا ينزعج من نفس الاسئلة إن جاءت من صحفى أجنبى أو يعمل فى وسيلة اجنبية.

ويصبح كذلك من المعتاد الاحتجاج على الصياغة وعلى العنوان ــ ليس لأن العنوان خطأ ولكن لأن العنوان «يزعج» ويبرز ما لم يكن مرغوبا فى أن يلفت الانتباه إليه ــ سواء كان مهما أو تافها. وتعتبر صحفية شابة أن توسطها لدى مصدرها لحل مشكلات من يلجأ إليها «خدمة» تؤديها للمجتمع.

صور متعددة لالتواء العلاقة فى اغلبها حسنة النية لكنها تشوه حقا اصيلا للصحفى فى أداء دوره بعيدا عن الخواطر والمواءمات، وحقا اصيلا للمواطن فى ألا تحجب عنه معلومة مهما كانت، وحقا اصيلا للمصدر ذاته الذى يتحول من شخصية عامة من «فئة البشر» تخطئ وتصيب وتحتمل الاختلاف الى شخصية «فوق البشر» قد تذبحها يوما ما بضع كلمات لا تتواءم مع «الصورة الملمعة» ــ سواء كانت كلمات حق أو باطل.

نجلاء العمري إعلامية مصرية
التعليقات