إعلام «الميگروگروم»... - نجلاء العمري - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلام «الميگروگروم»...

نشر فى : السبت 7 يناير 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 7 يناير 2012 - 8:00 ص

يتردد المرء كثيرا فى قبول بعض الدعوات للمشاركة فى فاعليات، خصوصا عندما تأتى من منظمات وهيئات تضم بالأساس حكومات. فكثيرا ما يكون الغرض منها الفسحة فى أفخم الفنادق على حساب الشعوب دون فائدة أو نقاش حقيقيين. مثل هذه الملتقيات يجعلك تشعر وكأنك تؤدى دورا مرسوما لك، تفقد قيمتك كباحث أو شخص لديه بعض المعرفة والخبرة إلى «شىء» يستغل فى الترويج للمؤسسة ولإبقائها منفعة لقلة قليلة مستفيدة.

 

ولاشك أن الكثير من ذلك كان (ولايزال فى معظمه) ينطبق على مؤسسات «العمل العربى المشترك» (الذى مازلنا نبحث عنه). كان ذلك الشعور بعضا مما جعلنى أتردد فى المشاركة فى الندوة الرئيسية السنوية لاتحاد إذاعات الدول العربية. غير أن موضوع الدعوة هو ما غلَّب المشاركة على الاعتذار. ولم أندم. فالنقاش كان مفاجأة سارة لى كإعلامية مهتمة بقيم الممارسة الإعلامية وبمحأولات الإصلاح المختلفة. نقاش شارك فيه متخصصون عرب وأيضا ممثلو تجارب غير عربية (وأنا منهم) عن إصلاح الإعلام السمعى البصرى فى العالم العربى وتحويل هذا القطاع الحيوى إلى خدمة عامة حقيقية يمتلكها المواطن لا الحاكم أيا كان.

 

õطرحت التساؤلات بجدية وتحدث الجميع عن ضرورة الإصلاح بل والتغيير الجذرى. وكانت بعض الانتقادات التى سمعتها وكأنها فى مؤتمر لقوى المعارضة وليس فى تجمع لممثلى الحكومات. ولاشك أن السبب هو شعور القائمين على هذه المؤسسات الإعلامية فى كل الدول العربية بلا استثناء ــ ما شهد ثورات وما لم يشهد بعد ــ بالخطر، خطر أن تتحول إلى قنوات لا يشاهدها أحد إلا من يحاسبها بقسوة شديدة ويطالب بمحاكمة القائمين عليها تماما كما يحاكم

 

السياسيون ورجال الأمن.

الخوف محرك التغيير

 

خياران لا ثالث لهما كانا واضحين أمام المسئولين عن الإعلام الحكومى العربى الذين امتلأت بهم القاعة: «التغيير أو النهاية». والخوف هو المحرك الرئيسى لإدراك ضرورة التغيير هذه، خوف جلى اتضح فى مداخلات عديدة وإن بدرجات متفاوتة. وربما كانت قمة الخوف هى تلك التى شاهدتها على أحد مسئولى الإعلام فى بلد عربى عاش انتفاضة لشهور طويلة.. استوقفنى بعد انتهاء الجلسة وانتحى بى جانبا ليسأل ماذا يفعل: «كنا نأتى بأفراد ونسكب عليهم «ميكروكروم» ونلفهم بأربطة الشاش، ثم نقوم بتصويرهم على أنهم ضحايا الثوار. الآن وقد تغيرت المعادلة لا ندرى ماذا نفعل. لم يكن بالإمكان أن نرفض». اعتراف واضح وصريح، لكنه أيضا رفض واضح للانسحاب من الساحة ومحاولة لإيجاد وسيلة للبقاء فى العهد الجديد.

 

 معالم الطريق

 

تزامنت أيام المؤتمر «الحكومى» مع لقاءات أخرى هذه المرة مع هيئة أفرزتها الثورة فى تونس وتشكل فى تركيبتها ومهامها قطيعة تامة مع «إعلام الميكروكروم»، وهى الهيئة المؤقتة لإصلاح الإعلام. طوال الأشهر الستة الماضية، لازمتُ أعضاءها فى عملهم بصورة شبه أسبوعية فى نقاشات مفتوحة لجميع الإعلاميين أسفرت عن وثيقة تحدد معالم الاصلاح. وثيقة لم تصدر عن مسئولين ولا عن سياسيين ولا حتى عن خبراء نظّرّوا لها فى مكاتب مغلقة بل

كانت ثمرة لقاءات متتالية شاهدتُ فيها مصارحة ودرجة عالية من الوعى والنقاش.

 

 الوثيقة المقرر نشرها خلال الأسابيع القليلة المقبلة ستقدمها الهيئة إلى الحكومة والبرلمان المنتخب وتعلن عن انتهاء مهمتها وبالتالى حل نفسها لتستكمل مسيرة الإصلاح الهئية الدائمة المقرر إنشاؤها كالهيئة التعديلية أو المنظمة للقطاع. مسودة الوثيقة وضعت نقاطا أاساسية للإصلاح من اهم مبادئها:

 

 الحماية بالنص: ضرورة وجود نص صريح وواضح على استقلالية الإذاعة والتلفزيون عن أى محأولة للتأثير بما فى ذلك قوى المعارضة وجماعات الضغط المختلفة. ويُخطئ من يظن أن محأولات التأثير تأتى فقط من الطرف الحاكم. ويترافق مع النص ميثاق واضح يحدد المسئوليات وأيضا سبل الحماية.

 

ــ دمقرطة الهيكل الإدارى وآليات اتخاذ القرار التحريرى. وذلك بضرورة بلورة منظومة القيم التى تحكم المؤسسة والعاملين بها، وبلورة سياسة تحريرية مع «دمقرطة» القرار بحيث لا ينفرد باتخاذ القرار من هو فى أعلى الهرم وتُستبعد الغالبية العظمى من العاملين. فالاشكاليات التحريرية متحركة والإجابات أيضا متحركة والمهنة تحكمها أساسيات وقيم ولكن بها الكثير من القرارات التقديرية على كل المستويات. وتكاد تكون المؤسسات الإعلامية بصورة عامة الأسوأ فى التواصل الداخلى.

 

ــ إعادة الاعتبار إلى المهنة باعادة تعريف «الإعلامى» بعيدا عن النظرة المتعالية من جانب السلطة ومن جانب زملاء المهنة فى الصحافة المكتوبة مع إقرار حق الإعلاميين فى العمل النقابى.

 

ــ إيجاد آليات للتعديل الذاتى، فلا تكفى الرقابة الخارجية من الهيئة الضابطة أو التعديلية كما سماها الزملاء التوانسة ــ فأبرز ما يميز المؤسسة الاعلامية العمومية، الدرجة العالية من الانضباط والمسئولية. الخطأ قد يُفهم فى سياق القطاع الخاص، لكنه لا يُغتفر للإعلام العمومى. وآليات الضبط الذاتى متعددة لا يتسع المكان هنا للخوض فيها.

 

ــ شفافية التمويل: الفساد الإدارى والمالى سمة للمؤسسات الإعلامية الحكومية وطرق الالتفاف حول القواعد كثيرة قد لا يقع معظمها تحت طائلة القانون. وبالتالى من الأهمية بمكان الإعلان عن الميزانيات وأوجه التصرف فيها. وهى من المعلومات النادرة بل المستحيل الحصول عليها وتكاد تقتصر الارقام المتداولة على المديونيات فقط لتبرير سوء الأوضاع.

 

ــ الاقتراب من المواطن والتعبير عنه: وهو المُغيب أو الغائب الاكبر رغم أن الجميع يتحدث باسمه. فلا نعلم عنه شيئا، فقط نفترض انه يريد ويرغب ويحب فنقرر ونخطط وننتج مادة إعلامية باسمه. المشاركة لا تكون بقياسات المشاهدة والاستماع وحدها. بل هى فى واقع الأمر الأقل أهمية.

 

***

 

هذه السطور أكتبها من طرابلس أبدأ فيها المشوار نفسه مع إعلام «ما بعد الثورة» فى ليبيا هذه المرة. ومازالت قصة «الميكروكروم» ومحاولات «إعلامه» إنقاذ ذاته تُلح علىّ.. تأخذ فى دول الثورات صورا وأشكالا مختلفة، ما بين إعلان قيادات الإذاعة والتلفزة فى تونس استقالة جماعية انتظارا للتعيينات الجديدة من حكومة الجبالى، إلى ليبيا المنقسمة ما بين بنغازى وطرابلس وحتى مصر حيث خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الخلف.. وكأن لكل ثورة إعلاما مشابها لها

نجلاء العمري إعلامية مصرية
التعليقات