نقابة الصحفيين والكارنيه «الذي يقتل» - نجلاء العمري - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقابة الصحفيين والكارنيه «الذي يقتل»

نشر فى : الإثنين 7 أبريل 2014 - 10:05 م | آخر تحديث : الإثنين 7 أبريل 2014 - 10:05 م

هذا موضوع طال آمد تأجيل طرحه لانه يتعلق باحد المحرمات في الحياة الصحفية رغم ان الحديث عنه يدور على نطاقات ضيقة تعترف فيها اطراف عديدة بأهمية فتح النقاش حوله ومراجعته.

والموضوع هو دور نقابة الصحفيين وفي القلب منه منحها لترخيص مزاولة المهنة أو "كارنيه النقابة".

حساسية الموضوع تعود لاسباب كثيرة أهمها لاشك هو الدور التاريخي والوطني للنقابة الذي لاجدال فيه ولا سبيل لانكاره. غير ان هذا التاريخ النضالي تحديدا هو الذي تحول مع الوقت الى العائق الرئيسي أمام محاولات مناقشة دور النقابة لانه ببساطة يحول النقاش الى اتهام مباشر بمحاولة النيل منها. وبذلك تحول التاريخ النضالي الى حجة للحفاظ على اوضاع عفا عليها الزمن ولم تعد موائمة لا للحظة ولا للمهنة وتطورها. والصعوبة الثانية تأتي من محاولة "احتكار" المهنة من خلال قصرها على "عضو النقابة حامل الكارنيه" وتتفرع منها الدعوات التى باتت تتكرر كثيرا عن قصر المهنة على خريجي كليات ومعاهد الاعلام دون غيرهم "كما ان الطبيب لايصبح طبيبا الا بالتخرج من كلية الطب وبحصوله على كارنيه النقابة".

لماذا هي اللحظة المناسبة

مع مقتل ميادة الصحفية الشابة تلقيت الكثير من المقالات التي كتبها صحفيون شبان بمشاعر الزميل الذي فقد زميلا لكنه يشعر وكأنه هو من "قتل".

عجزت المساحة عن استيعاب كل ما وصلني لكن القاسم المشترك بينها كان مثيرا للاهتمام لما يمثله من ادانة لأوضاع استقرت بين اطراف المعادلة : ادارات الصحف (أو المؤسسات الصحفية/الاعلامية) الصحفيون خاصة الشبان والنقابة (النقابات).

كانت واضحة الى جانب مشاعر الغضب، مشاعر الاحباط والتهميش والاستغلال لقطاع كبير من الصحفيين/الاعلاميين الشبان.

هذا الحرص الشديد على "كارنيه النقابة" كان بالنسبة لي لغزا لم أفهمه. فطوال عملي في مجال الاعلام لسنوات طويلة في مؤسسات غير مصرية وفي خارج مصر لم أواجه قط بمثل هذا الحرص على "كارنيه النقابة" أو على "عضوية النقابة".

لكن بعد مناقشات كثيرة مع عدد لابأس به من شباب الصحفيين بدأت أدرك ان "الكارنيه" في الواقع المصري تحول من مجرد اجراء روتيني "ممل" و"تحصيل حاصل" بمجرد مزاولتك للمهنة كما عرفته في كل الدول التي عملت بها الى معركة والى هدف في حد ذاته تحصل عليه فتحصل على إعتراف بانك صحفي حتى وإن كنت تزاول المهنة منذ سنوات وحققت فيها اسما ونجاحا. ومن اجل هذا الاعتراف يذهب الصحفي الشاب الى ابعد مدى ليس فقط في الميدان كما حدث مع ميادة ولكن ايضا في علاقته بالاطراف المختلفةا. فيضحي بأدنى الحقوق و"كله يهون" في سبيل الحصول على الكارنيه.

النموذجان الفرنسي والبريطاني

في فرنسا تتعدد النقابات. وهى لاترتبط بالمهنة بل هى جزء من المنظومة السياسية بمعنى أن لكل منها رؤية لقضايا العمال تختلف باختلاف توجهها السياسي ومدى قربها من الاحزاب المختلفة من اليسار ومن اليمين. والانضمام الى النقابة هو فعل اختياري بحت : تختار ان تكون عضوا او لا تكون وتختار النقابة الاقرب الى رؤيتك السياسية والاجتماعية. وبالتالي لاتعرف فرنسا ما يماثل نقابة الصحفيين في مصر.

على الطرف الاخر يأتي النموذج البريطاني وبه نقابة وحيدة هى "الاتحاد الوطني للصحفيين". وهى بذلك غير مسيسة وينحصر دورها في الدفاع عن مصالح الصحفيين بعيدا عن اي ايديولوجيات وذلك داخل المؤسسات الصحفية التي بها لجان فرعية للنقابة أو على المستوى الوطني. والانضمام اليها هو فعل اختياري ايضا وإن لم تفعل فإن ذلك لا يعني إلا فقدان بعض الامتيازات والخدمات المقدمة للأعضاء.

حق وليس امتيازا

في ظل ربط منح بطاقة الصحفي بعضوية النقابة تحول الحق الذي يجب ان يمنح لكل من يزاول المهنة الى امتياز يمنح للبعض ويمنع على البعض الاخر. وتحول حق الاختيار ما بين عضوية النقابة او عدم الانضمام اليها الى إجبار يتفاقم مع فلسفة النقابة الواحدة وغياب التعددية النقابية. وازداد الامر تأزما مع التقييد والتعقيد المستمر للعضوية وباتت المعادلة مقلوبة : فبينما الاصل ان تشجع النقابات الافراد على الالتحاق بها وتقدم التسهيلات بل الامتيازات، نجد انه في الوضع الحالي النقابة تحاول قدر الامكان الحد من اعداد الملتحقين بها.

وبالتالي اصبح هناك من يراكم الامتيازات في مقابل من يراكم الحرمان والمعاناة. والحل لن يكون الا بفك الارتباط بين منح ترخيص مزاولة المهنة الذي يخضع لشروط واضحة ومحددة وهي ببساطة اثبات ان الدخل الرئيسي هو من العمل الصحفي (قي فرنسا تكفي ثلاثة اشهر لإثبات الحالة من خلال لجنة مهمتها منح التراخيص ولا علاقة لها بالنقابات) وبين الالتحاق بالنقابة. والقول بانها محاولة لمنع الدخلاء لا يستقيم لان الكثير من الدخلاء هم بالفعل اعضاء بالنقابة

ويترك للصحفي بعد ذلك حرية الانضمام الى النقابة او تحل اشكالية النقابة الواحدة باقرار مبدأ التعددية النقابية. وكذلك، وهو أمر هام، تحل مشكلة العاملين في الاعلام كصحفيين لكن في غير الصحافة المكتوبة. فمع تطور المهنة وما تشهده من تداخل في الوسائل المختلفة بات من ينتمي الى الصحافة المكتوبة وكأنه هو وحده الصحفي يراكم الاعتراف به مع الحماية النقابية ومع الابواب المفتوحة لعمله في غير الصحف بعكس من يعمل في غير الصحف.

كما ان اعدادا متزايدة من الصحفيين الشبان تقضل الان العمل بنظام الصحفي الحر – freelancer - وهم ايضا من الفئات المحرومة من كل الحقوق وينتج عن تجاهلها تحويل الصحفيين الى كتل وظيفية تقتل الابداع ولاتشجع حرية الحركة لمن يريد بين الوسائل المختلفة.

الإدارة (الخصم) والنقابات

من الاوضاع المقلوبة ايضا ان العضوية تمر من خلال المؤسسة الصحفية أى أنها ترهن حق الانضمام الى النقابة بارادة ادارات المؤسسات المفترض انها تقف على الطرف الاخر من المطالب النقابية.

وفي ظل عقود العمل الشحيحة للصحفيين الشبان تزداد صور الفساد من كل الاطراف. فقد يفوز بها من يجيد فن ابتزاز الادارة أو من له "ضهر" وتنتشر أنماط الشللية أواسترضاء الادارة بأى ثمن. وترتبط ايضا بقيم تتنافي مع منطق المهنة كالاقدمية التي تصلح لوظائف مكتبية ولا تصلح للعمل الصحفي. كل ذلك لانها تنزع عن الصحفي الفرد حقه في الانضمام المباشر إلى التقابة.

وتزداد الامور تعقيدا مع تمتع كبار الصحفيين من اصحاب المناصب الادارية الهامة (اي من يمثل اصحاب العمل) ليس بعضوية النقابة فحسب بل حتى بالمناصب القيادية بها. وتتحول الادارة بذلك الى خصم وحكم في آن واحد : من يفاوض على الحقوق هو من يدير. ولازلت اذكر كيف كانت غرفة الاخبار تخلو فجأة من الصحفيين المصريين في مواسم انتخابات النقابة لنعلم فيما بعد أنهم في القاهرة للتصويت في النقابة برحلات دفعت "جهة ما" تكلفة تذاكر الطائرة لها.

في المقابل، تمنع نقابة الصحفيين في بريطانيا مثلا انضمام الصحفيين من مستويات ادارية معينة اليها لانهم الطرف الذي تفاوضه النقابة على حقوق الصحفيين.

ليست هذه الا مجرد أفكار لبداية حوار جاد ومراجعة دون حواجز "التاريخ" و ذلك حتى يكون "الكارنيه" حقا يحمي ولا يقتل.

على هامش الموضوع

شهد الشهر الماضي في تونس مؤتمرا هاما "للائتلاف الوطني للدفاع عن حرية التعبير" شاركت في جلساته وكسر للمرة الاولى حاجز الصمت حول الدور الذي تلعبه النقابات في الاعلام التونسي وتحديدا في التلفزيون المملوك للدولة . وهو ما يبرز مرة أخرى تغير المرحلة وما يمليه من ضرورة المراجعة للكثير من المحرمات.

نجلاء العمري إعلامية مصرية
التعليقات