الحس الجمعى يكذب والصورة أيضا - نجلاء العمري - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحس الجمعى يكذب والصورة أيضا

نشر فى : الجمعة 6 سبتمبر 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 6 سبتمبر 2013 - 1:58 م

«ملاحقة الساحرات» ..تعبير تكاد لا تخلو منه لغة أوروبية واحدة. اختزنته الذاكرة الجمعية لشعوب أوروبا عن تلك الممارسة التى عرفتها خلال العصور الوسطى والتى رأينا جميعا تجسيدا لها إما فى كتب التاريخ أو الافلام السينمائية أو حكايات الاطفال: حشد يتصايح فرحا حول نار موقدة فى وسطها امرأة تحرق حية لأنها وصفت بالساحرة. هى تحترق والجمع يشاهد ويتسلى ويصيح مناديا بالمزيد.

تقدر كتب التاريخ عدد من أحرقوا من خمسين ألفا الى مائة ألف شخص ــ معظمهم نساء ــ على مدى أربعة عقود ونصف هى عمر هذه الممارسة منذ الإعلان الكنسى الأول الذى جرم السحر فى القرن الثالث عشر وفتح لها الباب.

«ملاحقة الساحرات» ليست بالممارسة البعيدة كما يمكن أن نتخيل. فهى استمرت حتى أواخر القرن الثامن عشر حين حرمتها الكنيسة (التى كانت أطلقتها).

ومع تحريمها اختزنت الشعوب التعبير للدلالة على الكراهية والإدانة المبنية على إثارة أدنى ما فى الانسان من مشاعر.. مشاعر الكراهية والتشفى والانتقام.. مشاعر عندما تطغى تنجح فى الحشد لكنها تنجح كذلك فى إلغاء العقل والتفكير.

لم تعد هناك ساحرات يلاحقن ويحرقن.. لكن العبارة بقيت والممارسة بقيت وإن تولتها هذه المرة وسائل الإعلام.

صناعة الحس

ليس من قبيل المصادفة إذن أن تلجأ ضيفة فى احد برامج التليفزيون إلى التأكيد على أن الحس الجمعى المصرى «لا يكذب أبدا». العبارة وحدها كافية للدلالة على الكيفية التى يساق بها الرأى العام فى مصر من خلال الإعلام فى المرحلة الراهنة. فالضيفة استخدمت «الحس» ولم تستخدم «العقل» واستخدمت «الكذب» ولم تستخدم «الخطأ».

أمثلة بسيطة من السيل اليومى الذى نتعرض له من الصحف ومن شاشات التليفزيون يؤكد الخطاب ذاته «الحس لا العقل» الذى يستدعى «مطاردة الساحرات»:

ــ فى مقالين فقط من أعمدة الرأى الثابتة فى الصحف اليومية (الصحف الرئيسية وليست تلك المعروفة بالصفراء) وردت هذه الكلمات:

«اسمه لا مؤاخذة، دناوة، مرتزقة، تخريجاتهم البائسة، احط حلفائه، عيال، الحشائش الطفيلية، سخيفة، مغرضة، الدنيئة، قذر، العفن، بؤس شديد، هابط جدا، فاحش، سافر، غيظ، غل، خبيث، متأخر، منحط، متخلف، نكرات، هامشيون، الفاجر، الزبالة، هذا «الشىء»، المقرف، هلفط بها، ميوعة، بذاءة، وسخ، اخرس».

ــ ضيف واحد فقط على الفضائيات فى اسبوع واحد فقط رصده زميلنا الصحفى مصطفى ندا تعرض بالاتهامات والشتائم لثلاث وسبعين شخصية لم تتح لأى منها فرصة الرد. على العكس ذكر أحدهم أنه حاول التدخل لكن قيل له إن «الضيف» اشترط ألا يرد عليه احد.

وتبارت القنوات فى استضافة «الضيف» فى سباق مستميت غير مفهوم لدرجة اننا شاهدنا على الهواء المذيعة وهى ترجوه وتتفاوض معه على العودة فى اليوم التالى فى برنامجها بدلا من ذهابه الى قناة اخرى والى برنامج آخر ــ وهو حوار مكانه الطبيعى خلف الكاميرات لا امامها ــ لكنها احدى عجائب برامج التوك شو فى مصر.

الصورة

«الصورة التى لا تكذب» هى الشق الثانى الذى تلعب عليه صناعة «الحس الجمعى» رغم أن الصورة هى من افضل وسائل الكذب كما علمتنا تجارب الدعاية المختلفة. يكفى وضعها فى سياق ما مع تعليق ما لكى تؤدى المعنى أو عكسه.

العبارة استماتت فى استخدامها مذيعة قناة الجزيرة لتدفع الكاتب حسن نافعة للقول بأن القناصة الذين يظهرون فى الصورة تابعون لقوات الأمن ويستهدفون متظاهرى رابعة. وأصر حسن نافعة على أننا بالفعل نرى قناصة فى الصورة لكن لا يمكن على الاطلاق الجزم لأى طرف ينتمون.

والصورة أيضا حاول أن يتلاعب بها مذيع قناة التحرير الذى فوجئ على الهواء بصور جثث مسجد الإيمان التى فاقت كما رصدتها المصادر المختلفة بما فى ذلك المصادر الرسمية مائتى جثة. فهو قدمها فى بداية الامر على أنها الجثث «التى وجدت تحت منصة رابعة». ثم عندما أدرك أنها من مسجد الإيمان سارع بالقول: لا هى من الإيمان.. لكن هذه ليست جثثا حقيقية، هى أكياس وضعها الإخوان للإيحاء بأنها جثث.. و«اوعوا تصدقوا».

●●●

الساحرة قد تكون بالفعل ساحرة. وقد تكون بالفعل تستحق الحرق. النتيجة واحدة قد نصل اليها بالعقل أو بالحس. الفارق أن العقل يصيب ويخطئ، وهو عندما يخطئ يصحح الخطأ. بينما الحس يصيب ويكذب، وهو عندما يكذب يستمرئ الكذب ويستمر فيه ويحرق المزيد ممن نظنهن ساحرات.

نجلاء العمري إعلامية مصرية
التعليقات