عرضت بالأمس لبعض الأفكار بشأن المراجعات التى أعتقد أن على الأحزاب والتيارات الليبرالية واليسارية فى مصر إجراءها، إما بشأن الإصرار على تفعيل الفصل بين الدين والسياسة أو الالتزام بمدنية الدولة لجهة دور المؤسسات العسكرية والأمنية وتجاوز التعاطى مع انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان بمعايير مزدوجة. واليوم أتابع بفكرتين إضافيتين أراهما فى موقع القلب من مراجعات الليبراليين واليسار.
تفعيل القيم الديمقراطية داخل المساحة الليبرالية واليسارية: فالأحزاب السياسية حين تلتزم بالتنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع كوجهة لعملها، يصبح من واجباتها ممارسة الديمقراطية الداخلية واعتماد مبادئ علنية العمل العام والسياسى والشفافية التنظيمية والمالية وقبول المساءلة والمحاسبة الدورية فى إطار سيادة القانون.
والأحزاب حين تلتزم بالتنظيم الديمقراطى، يصبح تعويلها الأساسى، وهى تسعى للوصول إلى السلطة والمنافسة فى الانتخابات، على القطاعات الشعبية وتجتهد لنشر رؤاها وبرامجها بين الناس لبناء قواعد جماهيرية وتمتنع عن البحث الدائم عن حليف قوى بين مؤسسات الدولة ينقذها بعد خسارة صناديق الانتخاب أو تنزلق إلى الإفادة من نفوذ شبكات مصالح وفساد بل والإعاشة عليها عوضا عن مواجهتها.
والأحزاب حين تلتزم بالتنظيم الديمقراطى، تفعل قيم الحرية والمساواة وسيادة القانون والمواطنة والمدنية داخل تشكيلاتها التنظيمية وبين قواعدها الجماهيرية وتمتنع من ثم وبمعزل عن «اللون السياسى» للضحايا عن تبرير انتهاكات القيم الديمقراطية، وعن مواجهة تورط منافسيها فى الترويج لمقولات تمييزية وممارسات إقصائية بتبنى تمييز بديل وإقصاء معكوس، وغير ذلك من الاختلالات التى تقضى على عقلانية ورشادة الأحزاب وتسقط السياسة فى كارثة الفاشية والانقلاب على القيم الديمقراطية.
فى هذه السياقات جميعا وبالنظر إلى الممارسات السياسية والانتخابية للأحزاب وللتيارات الليبرالية واليسارية فى مصر وبتحليل مضمون لمواقف الكثير منها الأخيرة وبياناتها العلنية التى تتجاهل شواهد توظيف القوة المفرطة وتخون من ينتقدها وتبرر انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان أو تصمت عنها، ثمة ضرورة موضوعية لليبراليين ولليسار لممارسة النقد الذاتى والمراجعة.
الاعتذار: حق للمواطن وللمجتمع أن تنتج ممارسة النقد الذاتى والمراجعة بين الليبراليين واليسار اعتذارا ديمقراطيا عن اضطراب الرؤى والمواقف بشأن التخاذل عن الإصرار على تفعيل الفصل بين الدين والسياسة، ومدنية الدولة لجهة دور المؤسسات العسكرية والأمنية التى تم التراجع عنها، والمعايير المزدوجة لحقوق الإنسان، وقصور الالتزام بقيم الحرية والمساواة وسيادة القانون والشفافية فى الكثير من ممارسات الليبراليين واليسار داخل أحزابهم وتياراتهم، وفى فعلهم العام. المصريات والمصريون لهم حق فى اعتذار ديمقراطى يقترن بالعمل الجاد لضبط الاضطراب ومواجهة الاختلالات.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.