غياب التوافق، وقد سعت لجنة الدكتور السلمى الاستشارية لبنائه إلا أن اختلاف مواقف القوى السياسية والوطنية حال دون ذلك وهو أمر ينبغى أن يقبل فى الممارسة الديمقراطية، عنى (وكما عبرت عن التخوف هذا بعمود الأمس) دفع حياتنا السياسية نحو لحظة استقطاب جديدة بين من مع ومن ضد وأضاع فرص النقاش الجاد للمبادئ الهامة التى تحويها المسودة بخلاف المادة التاسعة. غياب التوافق عنى تحول مؤتمر الأوبرا إلى ساحة للهجوم على أحزاب وتيارات ترفض المسودة والطرح المرتبط بها وهذا حقها. غياب التوافق عنى أن الهدف الأسمى من مبادئ استرشادية ومن معايير لاختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وهو تمكين الجمعية من العمل بسرعة وفى ظل توافق وطنى واسع، أطيح به قبل أن يبدأ النقاش وفى توقيت خطير جوهره استقطابات ما قبل الانتخابات.
أما مطالبة بعض الأحزاب والسياسيين بإصدار المسودة فى إعلان دستورى دون استفتاء للمصريات والمصريين فيها، وكما كتبت فى هذا العمود منذ أسابيع، بالفعل تحايل على إرادة المواطن ومصادرة مسبقة لها شأنها فى ذلك شأن جعل القوات المسلحة الرقيب على التزام الدستور الجديد بمبادئ مسودة لم يستفت عليها المواطن.
مؤسسة عسكرية قد تصبح دستوريا داخل الدولة وتوافق وطنى غائب وتحايل على إرادة المواطنين هى أسباب رفضى للمسودة، التى كنت أتمنى أن ترى النور كوثيقة استرشادية وسياسية لقوى وطنية توافقت عليها وتطرحها على المواطن كبرنامج عام لوضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية ودون حاجة لإعلان دستورى. ويا لبؤس من يدافع عنها باسم دولة مدنية مبادئها من كل هذا العبث براء.