ولأن السلطوية الجديدة فى مصر تتخوف اليوم من انتقال الناس من خانات الانصراف عنها والامتناع عن تأييدها إلى طلب الخلاص والبحث الجاد عن بدائل لإدارة الجنرالات، ولأن خوف الجنرالات يدفعهم إلى الإبقاء على الممارسات القمعية الراهنة وعلى المظالم والانتهاكات المتراكمة دون تغيير وسيورطهم على الأرجح فى إطلاق موجات قمعية إضافية؛ يصبح توقع حدوث إن «انفراجات سياسية قريبة» أو «تدخلات جادة من قبل السلطة التنفيذية لجبر الضرر عن بعض ضحايا المظالم والانتهاكات» إيغالا فى الوهم ويتحول الترويج العلنى له إلى تجميل لوجه السلطوية البائس وتزييف لوعى الناس.
فإدارة الجنرالات التى أماتت السياسة ووظفت إعلام «الأذرع» لفرض الرأى الواحد والموقف الواحد على الناس وقمعت بعنف الرأى الآخر، إدارة الجنرالات هذه لا قدرة حقيقية لديها على العودة خطوات إلى الوراء لإحياء السياسة واستعادة مشاركة القطاعات الطلابية والشبابية والعمالية التى همشت بقسوة خلال العامين الماضيين، ولا رغبة حقيقية لديها بشأن تعديل مسارات القمع والتعقب والإقصاء لمعارضيها من اليمين الدينى إلى المدافعين عن الحقوق والحريات، ولا نظرة لها باتجاه المواطن والمجتمع لا تستند إلى ضرورة التوجيه والإخضاع والتنميط فى حشود مهمتها الوحيدة هى تأييد الجنرالات.
كذلك يرتبط انتفاء قدرة ورغبة إدارة الجنرالات فيما خص إحياء السياسة التى أماتوها بقناعتهم التقليدية بتهافت ممارسى العمل السياسى فى مصر واقتصارهم إما على «باحثين عن الاستتباع المجزى» من قبل مؤسسات وأجهزة الدولة، أو على «طالبى حماية» من القمع والتعقب الرسميين، أو على «مروجى معايير مزدوجة» هدفهم هو تبرير المظالم والانتهاكات، التى يرتكبها الجنرالات. وبتأييد أغلبيتهم لإدارة الجنرالات منذ صيف 2013 وتعاميهم عن القمع والعنف الرسميين، دلل ممارسو السياسة فى بلادنا بالفعل على تهافتهم ويسر إخضاعهم.
أما رفض إدارة الجنرالات القاطع لإحداث «انفراجات سياسية» تمكن من دمج الطلاب والشباب والعمال فى المجال العام فوراءه خوف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من العجز عن السيطرة عليهم، تماما كما يؤدى خوف الجنرالات من حيوية المدافعين عن الحقوق والحريات ومبدئية مطالبتهم بمساءلة ومحاسبة جميع المتورطين فى المظالم والانتهاكات دون تمييز إلى التمادى فى القمع والتعقب وإلى الامتناع عن إطلاق سراح أغلبية من سلبت حريتهم، وضاقت بهم وبرفاقهم السجون وأماكن الاحتجاز.
لا تنتظروا لا انفراجات سياسية ولا تدخلات جادة لجبر الضرر عن الضحايا، على الرغم من أن مصر فى أمس احتياج لكليهما. فإدارة الجنرالات تستخف دوما بالأولى وتخشى تداعيات الثانية.