لبنان فى توقّعات «الرد الإيرانى» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لبنان فى توقّعات «الرد الإيرانى»

نشر فى : الإثنين 6 يناير 2020 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 6 يناير 2020 - 10:15 م

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب حازم صاغية... جاء فيه ما يلى:
فيما كان اللبنانيون مسمّرين إلى التلفزيونات، يتابعون مقتل قاسم سليمانى وأبومهدى المهندس، وذيول الحادث المزدوج، مرّ على الشاشة خبر يقول: «طائرات إسرائيليّة تحلّق على علو منخفض فوق صيدا والجنوب». بدا واضحا أنّ الإسرائيليين ما إن التقطوا الخبر، وسمعوا الدعوات إلى الردّ والثأر، حتّى راحوا يستعدّون. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قطع رحلته المقرّرة إلى اليونان، وعاد إلى إسرائيل. وزير الدفاع نافتالى بنيت دعا إلى اجتماع طارئ لكبار قادته، وأعلن أنّه سوف يلتقى رئيس الأركان أفيف كوشافى، وأبرز المسئولين الأمنيين فى المقرّ العسكرى بتلّ أبيب. الحديث عن أوضاع الجبهة الشماليّة واستعداداتها عاد إلى الصدارة.
واضحٌ أنّ دخول إسرائيل على الخطّ ليس خبرا سارّا. إنّه يستعيد صورة ذاك الكابوس عن حرب إيرانيّة ــ إسرائيليّة فوق رءوس أهل المشرق العربى. الذين يكرهون النظام الإيرانى وسلوكه يعرفون أنّ ما تفعله إسرائيل لن يكون لصالحهم، وأنّها لا تفعل إلاّ ما هو لغير صالحهم. الموت والخراب هما الأفق الأوحد فى المنطقة، خصوصا فى العراق المعذّب.
لكنّ ما هو أسوأ من تدخّل إسرائيل فى لبنان أن تكون هناك نيّة لاستدعاء إسرائيل إلى التدخّل. أموس هارِل، المعلّق فى «هاآرتس» المعارضة لنتنياهو، يكتب أنّ لدى دولته «كلّ الأسباب كى تبقى خارج النزاع المتنامى، مع أنّ النظام فى طهران سيحاول إقحام إسرائيل بسبب حقده الأيديولوجى علينا».
على أنّ استدعاء الدولة العبريّة عبر «ردّ إيرانى» من لبنان سيكون أقرب إلى عمل انتحارى، عملٍ يؤذى اللبنانيين عموما، ويؤذى خصوصا «حزب الله» وبيئته. لهذا، وبعيدا عن خطابة الخطباء المتحمّسين، حرص الأمين العام للحزب فى بيانه على ألا يتعهد بشىء محدّد. قال «إن القصاص العادل من قتلته المجرمين الذين هم أسوأ أشرار هذا العالم سيكون مسئولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم». وكلمة «كلّ»، تعنى الجميع، إلاّ أنّها قد لا تعنى أحدا. بمعنى ومنطق مشابهين على الأرجح، رأى المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى، الذى يعرف ضيق الخيارات المتاحة، أنّ «الرد على الجريمة سيشمل المنطقة بأسرها، وسيكون ثقيلا ومؤلما».
إذن بين سوابق عدم الردّ الإيرانى على الضربات الإسرائيليّة الكثيرة فى سوريا، وولع طهران بالحروب التى تُشنّ بالوكالة، يمكن التذكير ببعض المعطيات اللبنانيّة المعروفة:
أوّلا، إنّ الحرب مهمّة مكلفة ماليّا، وإيران التى يُفترض بها أن تموّل الحرب بلد مفلس، فضلا عن تصدّعه الداخلى الذى لا يكفى مقتل سليمانى لرأبه.
ثانيا، وفى اختلاف نوعى عن حرب 2006، لن تكون هناك أموال عربيّة لما بعد الحرب، كما لن تكون الدولة اللبنانيّة المفلسة قادرة على الإعانة.
ثالثا، وبسبب سلوك «حزب الله»، لا سيّما منذ 2008، لن يكون هناك استقبال أهلى يُعوَّل عليه للضحايا المدنيين الذين قد تهجّرهم شمالا حرب إسرائيليّة أخرى.
رابعا، وهو ما يصحّ بنسبة أعلى فى العراق، سيتبدّى أى مزاج حربى مزاجا مضادّا للثورة على نحو لا لبس فيه. المحاربون سيظهرون فى هيئة من لا يريد للبنان والعراق إلاّ أن يكونا ساحتى حرب. مزاعمهم التى تداولوها فى الأسابيع الماضية عن صلة الثورتين العراقيّة واللبنانيّة بـ«السفارات والأمريكيين» قد تتحوّل تبريرا صريحا لإجراءات قمعيّة.
إلى ذلك، لا بدّ فى المحارب، أى محارب، أن يأخذ فى حسابه حسابات الخصم واعتباراته.
فنتنياهو الذى لا تنقصه الرغبة أو الشهيّة لإيذاء إيران و«حزب الله»، يواجه انتخابات عامّة شديدة التعقيد، أحد عناوينها مستقبله وسمعته الشخصيّان. أمّا دونالد ترامب، الذى سيلتحم بإسرائيل تلقائيّا، فتنتظره أيضا انتخابات يريد قبلها إثبات أنّ قتل قاسم سليمانى، بعد أبوبكر البغدادى، يعادل قتل باراك أوباما لأسامة بن لادن فى 2011، علما بأنّ الأخير كان مهزوما ومختبئا عندما قُتل، فيما كان سليمانى يتجوّل منتصرا بين عواصم الإمبراطوريّة.
هذا لا يعنى أنّ رغبات نتنياهو وترامب هى بالضرورة قدر لا يُردّ. لكنّ إحباط تلك الرغبات يتطلّب قوّة إيرانيّة غير متوفّرة، لا اقتصاديا ولا عسكريا. صحيح أنّ هذه القوّة تستطيع تنفيذ أعمال إرهابيّة متفرّقة هنا وهناك، كقتل أو خطف أمريكيين، وقصف ناقلات نفط، لكنّ تلك الأعمال نفسها قد تغدو، فى ظلّ المواجهة المباشرة مع واشنطن، سيفا ذا حدّين.
لهذا يُستحسن ألا يموت أحدٌ فداء النظام الإيرانى؛ خصوصا أنّها حرب يستحيل فيها الانتصار. فطهران، ردّت أم لم تردّ، فقدت الكثير من مصادر قوّتها، وربّما كان الحدث الأخير مدخلها لأن تفقد، تدريجا وبشىء من التعرّج، ما تبقّى من تلك المصادر. أمّا لبنان تحديدا فكلّما خفّت اندفاعة بعض أطرافه لتلك المواجهة، كائنا ما كان حجمها، خفّت كلفة الألم والخراب اللذين قد يعقبان ذلك.

التعليقات