احدى المهام الأساسية للمشروعات التنموية هو الحد من الفقر، ومواجهة التهميش الذى يعيش فيه الناس. وهو أحد أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التى تتبناها الأمم المتحدة لسنة ٢٠٣٠، باعتبار أن مواجهة الفقر تستدعى اهتماما بنوعية الحياة التى يعيشها المواطنون من سكن وغذاء وصحة وتعليم.
فى تقرير نشره مركز دراسات المستقبل فى ابوظبى منذ أيام إشارة مهمة إلى أن احدى المشكلات التى تعترض سبيل الدول الفقيرة فى توفير اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا هى ضعف أنظمة التخزين والتبريد لديها، وهو ما لا تعانى منه الدول المتقدمة. وإذا أخذنا فى الاعتبار الإحصاءات التى تشير إلى أن تغطية الكهرباء فى كثير من دول افريقيا جنوب الصحراء تقل عن ٥٠%، ندرك إلى أى حد يستغرق تدفق اللقاحات إلى الدول النامية وقتا طويلا. ليس هذا فقط، بل فى كل مراحل مواجهة الوباء كان الفقراء يدفعون ثمنا باهظا مقارنة بغيرهم. صحيح أن الوباء لم يفرق بين دول العالم شرقا وغربا، ولا بين الفقراء والاغنياء، ولكن الفقراء واجهوا أوضاعا أكثر قسوة، حيث يشكل اتباع الإجراءات الاحترازية تحديا بالنسبة لهم، مثل مراعاة التباعد الاجتماعى، وتوفر المياه النظيفة والصرف الصحى، والمطهرات، تمثل جميعها رفاهية لم يقدروا عليها. والفقراء أيضا هم أكثر المتضررين من الاغلاق الاقتصادى جزئيا أو كليا، حيث لا تتوفر لديهم الموارد ولا الإمكانيات التى تساعدهم على مواجهة الظروف الاقتصادية القاسية، وكثير منهم فى كل المجتمعات عمالة موسمية أو غير منظمة تعتمد على دخلها اليومى، ولا تقدر على البطالة لبضعة أيام. ليس هذا فحسب، بل إن انتقال العالم إلى التفاعل أون لاين بدءا من شراء الاحتياجات وممارسة العمل وانتهاء بالتعليم وتلقى الخدمات الثقافية جعل الفقراء لا يستطيعون الاستمرار فى مسار الحياة الطبيعى. والأمر اللافت أنه طبقا للاحصاءات فإن الدول الفقيرة أقل انتاجا علميا فى مواجهة وباء كورونا من حيث ما ينشره الباحثون لديها فى الدوريات العلمية أو ما يطوره علماؤها من تجارب علمية، وهو ما ادى فى النهاية مثلما يحدث فى كل الأوقات إلى أن تصبح الدول الفقيرة متلقية للامصال، والوصفات العلاجية، والادوية، لا أكثر ولا أقل. وكشف تقرير أعده معهد واشنطن منذ أيام عن منطقة البحر الأحمر أنه باستثناء السعودية وإسرائيل قد تواجه دول هذه المنطقة تباطؤا فى تطعيم مواطنيها لعدم القدرة على توفير اللقاحات والتجهيزات الطبية الكافية، وهو ما يعنى تمديد الآثار الاقتصادية السلبية التى تعانى منها مجتمعات يتسم اقتصاد كثير من دولها بالهشاشة.
هذه فقط بعض ملامح مواجهة وباء كورونا، والتى يبدو فيها الفقراء متراجعين بخطوات كثيرة، ولكن المسألة أكثر تعقيدا، وتمس جوهر الحياة العادية التى يعيشونها. من هنا ستظل محاربة الفقر غاية أساسية للتنمية، أيا كان الابتكار فى المسميات أو التعريفات، والتى يقتضيها تطور البحث الاجتماعى مثل مواجهة الفقر أو الحد من التهميش أو التمكين أو غيرها من المصطلحات التى تدور حول نفس المعنى وتحوم حول المسألة الأساسية وهى مواجهة الفقر.