فى الإمارات.. قانون للقراءة - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الإمارات.. قانون للقراءة

نشر فى : الجمعة 6 مايو 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 6 مايو 2016 - 9:45 م
فى غمرة الأحداث التى ذهلتنا وأذهلتنا الأسبوع الماضى فى مصر، كان يحدث هناك على ضفاف الخليج العربى، فى دولة الإمارات العربية المتحدة، حدث فريد من نوعه، يشهده عالمنا العربى ربما للمرة الأولى فى تاريخنا الحديث، حيث قررت حكومة الإمارات إطلاق صندوق وطنى للقراءة بقيمة 100 مليون درهم، وأصدرت أيضا «قانونا للقراءة» يحدد الأدوار والمسئوليات الوطنية وكل الجهات الحكومية المعنية بالقراءة، وتستهدف جعل التعليم مدى الحياة لكل مواطنيها..

الحقيقة، لفتنى بشدة فكرة إصدار «قانون للقراءة»، وأن تحتشد الدولة بكاملها وبأعلى مستوياتها وقطاعاتها لبدء الإجراءات التشريعية لإعداد قانون للقراءة تحت مسمى «قانون القراءة» والذى يهدف، بحسب بيان الحكومة الإماراتية، لضمان استدامة جميع الجهود الحكومية لترسيخ القراءة فى دولة الإمارات، وضمن جميع الفئات والأعمار، وتحديد المسئوليات الرئيسية للجهات الحكومية فى هذا المجال، على أن يبدأ هذا القانون دورته التشريعية خلال الأسابيع القليلة القادمة.

كنت أتابع تفاصيل الموضوع بفضول كبير، وفوجئت بأن هذه القرارات العظيمة، جزء من كل، مجرد خطوة ضمن استراتيجية هائلة وضخمة للاستراتيجية الوطنية للقراءة فى العام 2016 والتى تتضمن 30 توجها «وطنيا» رئيسيا فى قطاعات التعليم والصحة والثقافة وتنمية المجتمع والإعلام والمحتوى.

واضح جدا أن الموضوع تجاوز فكرة الاحتفاء والتشجيع (كما نتعامل دائما مع القراءة والكتاب) ليكون عصبا لمشروع قومى، وأولوية كبرى، قررت الدولة الإماراتية أن تتعامل معها بالجدية اللازمة والتخطيط الدقيق والدعم الكامل، لقد قررت الإمارات اعتماد خطة طريق نحو المستقبل والانطلاق إلى آفاق غير مسبوقة، بالاستثمار الجدى فى المعرفة؛ خطة طريق قوامها الأساسى «القراءة» وتبتغى «جعل التعلم مدى الحياة لكل أفراد المجتمع، وتعزيز الأصول الذهنية والفكرية والثقافية لمواطنى الإمارات»، بحسب ما أكد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والذى قال أيضا بمناسبة إطلاق الاستراتيجية الوطنية للقراءة عبارة شديدة الأهمية وتحمل دلالات خطيرة؛ قال إن «دولة الإمارات انتقلت خلال العقود السابقة من دولة تسعى إلى محو الأمية لدولة تسعى للمنافسة العالمية فى المجالات التقنية والعلمية، والقراءة والمعرفة هى المفتاح للتفوق والمنافسة».

إذن، فقد تجاوزت الإمارات «محو الأمية» إلى «المنافسة فى المجالات التقنية والعلمية»، هكذا يكون طموح الدول والحكومات، وهكذا تعمل كى تصل بشعوبها إلى ما تستحقه من مكانة ورسوخ. ومن المدهش حقا أن يحمل خطاب أعلى مسئول فى البلد هذا الوعى وهذه الرؤية وأن يكون مشتملا على الهدف والغاية والآليات التى من خلالها يتم البدء فعليا فى هذا المشروع العملاق، فـ«كل سياسات وإستراتيجيات القراءة هى سياسات لبناء أمة وترسيخ شعب مثقف واع متمكن متسامح؛ حيث نهدف لإعداد أجيال يحققون قفزات تنموية، ويضمنون تفوق دولتنا، وتعزيز تنافسيتنا، وتحقيق رؤيتنا المستقبلية لدولة الإمارات».

أما الهدف من إصدار تشريع أو قانون للقراءة، فهو «جعل التعلم مدى الحياة لكل أفراد المجتمع، وتعزيز الأصول الذهنية والفكرية والثقافية لمواطنينا، قانون القراءة سيعمل على مؤسسة الجهود واستدامتها وجعل القراءة جزءا أساسيا من عمل وصلاحيات وواجبات مجموعة من الجهات الحكومية».

له كامل الحق، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبى ونائب رئيس الإمارات، بأن يصف هذا القانون بأنه «قانون حضارى» على مستوى المنطقة لترسيخ القراءة. «ترسيخ القراءة» فى الأجيال الجديدة وصفه حاكم دبى بأنه عمل طويل المدى، ونتائجه عميقة الأثر، ولا يمكن للحكومة وحدها أن تصنع تغييرا بدون مساهمة الأسر ومساهمة جميع فعاليات المجتمع من مؤسسات حكومية وخاصة وجمعيات نفع عام وناشرين وأدباء ومثقفين ومتخصصين. فلا يوجد اقتصاد معرفة بدون مجتمعات المعرفة. ولا يمكن بناء استراتيجيات بدون بناء أجيال. لا يمكن تكوين مجتمع متسامح، وأسر متماسكة، ووعى مجتمعى حضارى، وهوية وطنية راسخة، بدون ثقافة وقراءة واطلاع ومعرفة.

بالمناسبة، فإن الكلمات السابقة هى بنصها وحرفها كلمات حاكم دبى التى تجاوزت فى وضوحها وحسمها فكرة الكلمات البراقة والعبارات الإنشائية والوعود التى لا تنفذ إلى أفكار ومشروعات عملاقة على الأرض، كلمات تجسد رؤى وتصورات خرجت للنور ضمن خطط واستراتيجيات، هو ليس مدركا فقط لما يقول بل إنه مؤمن إيمانا تاما وجازما بما يقول، هو على قناعة ويقين بأن المجتمع القارئ هو مجتمع متحضر، مواكب للمتغيرات، رائد فى التنمية ومتقبل لكل الثقافات.

إذا كان هذا هو وعى النخبة الحاكمة وسلوكها فمن الطبيعى أن تصيب عدوى هذه الحماسة المخلصة كل مسئولى الدولة وفى كل القطاعات والمؤسسات؛ وفى هذا الإطار، وخلال المؤتمر الصحفى الذى أداره خمسة وزراء من الحكومة الإماراتية للإعلان عن تفاصيل هذه الاستراتيجية الضخمة، تم الإفصاح عن تفاصيل مجموعة من المبادرات؛ منها: تخصيص مجلس الوزراء شهرا فى كل عام للقراءة، وتوزيع حقيبة معرفية لكل المواليد المواطنين فى دولة الإمارات، والتوجهات لإثراء المحتوى القرائى الوطنى ومراجعة سياسات النشر فى الدولة لتعزيز ودعم الناشرين المواطنين وتضمين القراءة الاختيارية ضمن المناهج التعليمية، وضمن تقييم المؤسسات التعليمية.. وغيرها من المبادرات.

ولمن لا يعلم، فإن الإمارات ومنذ بداية 2016 الذى جعلته «عاما للقراءة» قامت بإطلاق عشرات المبادرات، وعلى كل المستويات فى الدولة ومؤسساتها التابعة لها؛ مبادرات تعددت وتنوعت لترسيخ فعل القراءة بين مواطنيها وخاصة بين الأجيال الناشئة، وعبر عشرات المشروعات والفعاليات تحولت «الإمارات» إلى خلية نحل حقيقية، لا يمر يوم دون فعالية ضخمة وكبيرة، وبرعاية من شيوخ الإمارات أنفسهم. فى المدارس، فى النوادى، فى المستشفيات، فى المطارات، لن تسير فى مكان أو جهة فى الإمارات دون أن يقع تحت عينيك ما يشير إلى نشاط أو فعالية تتعلق بالكتاب أو تدور حوله؛ معارض، ندوات، عروض فنية، مهرجانات.. أنشطة وفعاليات يصعب حصرها وجمعها فى هذا الحيز، وإن كان ما يميزها على تعددها وكثرتها هو التنظيم الشديد والتنسيق بين الجهات المضطلعة بها.

ما يحدث فى الإمارات، كبير ومذهل، نشاط عارم وحقيقى وعلى كل المستويات لاعتماد المعرفة ولا شىء آخر طريقا للمستقبل وضمانا لحق الأجيال الجديدة ليس فقط فى الحياة ولا فى العيش ولا فى الأمن ولا فى العمل بل فى التعلم أيضا مدى الحياة. ببساطة الدولة الإماراتية أدركت أن الأساس القوى والراسخ والضامن للبقاء والوجود والاستمرار على سطح هذا الكوكب هو التعامل مع القراءة والثقافة والمعرفة كمشروع قومى حقيقى له الأولوية، من أجل المستقبل ومن أجل الأجيال القادمة؛ المعرفة وحدها ولا شىء آخر يضمن بقاء الأمم ومستقبلها.. إن ما حدث ويحدث فى هذه الدولة الشقيقة خطوة جبارة وغير مسبوقة فى أى مكان من عالمنا العربى.