فلتبقوا على المسار - بول كروجمان - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 10:22 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فلتبقوا على المسار

نشر فى : الإثنين 6 يوليه 2009 - 5:28 م | آخر تحديث : الإثنين 6 يوليه 2009 - 5:28 م

 اتخذ الجدل الدائر بشأن السياسة الاقتصادية منحى متوقعا وإن كان منحى يدعو للتشاؤم: إذ يبدو أن الأزمة فى سبيلها للانفراج، وتطالب جوقة المنتقدين بنك الاحتياط الفيدرالى وإدارة أوباما بالتخلى عن جهودهما الخاصة بالإنقاذ.

وبالنسبة لهؤلاء الذين يعرفون تاريخ تلك الجهود فإنها تبدو وكأنهم رأوها من قبل حرفيّا.

لأن هذه هى المرة الثالثة فى التاريخ التى يجد فيها الاقتصاد نفسه فى فخ السيولة، وهو الوضع الذى وصلت فيه تخفيضات أسعار الفائدة، إلى منتهاها، لكونها الطريقة التقليدية لإنعاش الاقتصاد. وعندما يحدث ذلك تكون الإجراءات غير التقليدية هى الطريقة الوحيدة لمحاربة الركود.

إلا أن هذه الإجراءات غير التقليدية تجعل أصحاب العقول التقليدية غير مرتاحين، ومازالوا يدعون للعودة إلى الحالة الطبيعية. وفى وقائع مصيدة السيولة السابقة استسلم واضعو السياسات لتلك الضغوط بسرعة كبيرة، مما أوقع الاقتصاد من جديد فى أزمة. وإذا سار المنتقدون على ما ساروا عليه من قبل، فسوف نفعل الشىء نفسه هذه المرة.

يأتى أول مثال للسياسة فى فخ السيولة من ثلاثينيات القرن العشرين. فقد نما الاقتصاد الأمريكى بسرعة من 1933 إلى 1937، حيث ساعدته على ذلك سياسات الاتفاق الجديد. إلا أن أمريكا لم تصل إلى التوظيف الكامل.

ولكنّ واضعى السياسات توقف تساؤلهم عن الكساد وبدأ تساؤلهم عن التضخم. وقيد بنك الاحتياط الفيدرالى السياسة النقدية، بينما حاول فرانكلين روزفلت موازنة الميزانية الفيدرالية. ومن المؤكد إلى حد كبير أن الاقتصاد هبط فجأة مرة أخرى، وكان لابد للانتعاش من الانتظار حتى الحرب العالمية الثانية.

المثال الثانى هو اليابان فى تسعينيات القرن العشرين. فبعد الهبوط فى بداية العقد، عاشت اليابان انتعاشا جزئيّا، حيث كان الاقتصاد ينمو بمعدل 3 بالمائة تقريبا فى عام 1996. ورد واضعو السياسات على ذلك بتحويل تركيزهم إلى عجز الميزانية، حيث زادوا الضرائب وخفضوا الإنفاق. وسارت اليابان إلى الانزلاق مجددا نحو الركود، وها نحن نتجه إلى ذلك من جديد.

من ناحية، يتحرش القلقون من التضخم ببنك الاحتياط الفيدرالى. وأحسن مثال هو تحذير أرثر لافر من أن سياسات بنك الاحتياط الفيدرالى سوف تحدث تضخما مدمرا.

وهو يقترح، ضمن أشياء أخرى، إمكانية زيادة شروط احتياطى البنوك، وهو ما يتصادف كونه ما فعله بنك الاحتياط الفيدرالى على وجه الدقة فى عامى 1936 و1937 وهو الإجراء الذى لم يدنه أحد سوى ميلتون فريدمان باعتبار انه يساعد على خنق الانتعاش الاقتصادى.

وفى الوقت نفسه هناك مطالب من اتجاهات عديدة بإلغاء خطة الحوافر المالية الخاصة بالرئيس أوباما.

يقول البعض، خاصة فى أوروبا، إنه لا حاجة إلى الحوافز، لأن الاقتصاد قد استدار بالفعل.

ويزعم آخرون أن الاقتراض الحكومى يرفع أسعار الفائدة، وسوف يُخرج هذا الانتعاش عن مساره.

ويقول الجمهوريون، الذين يقدمون فاصلا كوميديّا، إن الحوافز فشلت، لأن قانون التمكين تم إقراره منذ أربعة أشهر يا للهول، أربعة أشهر كاملة! وما زال معدل البطالة فى ارتفاع. ويوحى هذا بمقارنة شيقة مع السجل الاقتصادى لرونالد ريجان، الذى أعقب تخفيضه للضرائب ما لا يقل عن 16 شهرا من البطالة المتزايدة.

وهو كذلك، فقد حان الوقت لبعض القيود الواقعية.

أول كل شىء، بينما تحتفى البورصات بـ«بعلامات انتعاش» الاقتصاد، فالحقيقة هى أن البطالة مرتفعة جدّا ولا تزال ترتفع. أى أننا لا نعيش حتى ذلك النوع من النمو الذى أدى إلى أخطاء 1937 و1997 الكبيرة. ولم يحن الوقت بعد لإعلان انتصاره.

فماذا عن ادعاء أن بنك الاحتياط الفيدرالى يخاطر بالكساد؟ كلا، إنه لا يخاطر. ويبدو أن لافر شعر بالذعر نتيجة للزيادة السريعة فى القاعدة النقدية، وكمية العملات المتداولة، واحتياطيات البنوك. ولكن القاعدة النقدية المتزايدة لا تكون تضخمية عندما تكون داخل فخ السيولة. وقد تضاعفت قاعدة أمريكا النقدية فيما بين 1929 و1939 وهبطت الأسعار بنسبة 29 بالمائة. وزادت قاعدة اليابان النقدية بنسبة 85 بالمائة فيما بين 1997 و2003، ومازال التضخم يزيد بسرعة.

وماذا عن الاقتراض الحكومى؟ كل ما يفعله هو أنه يعوض انخفاض الاقتراض الخاص وينخفض إجمالى الاقتراض ولا يرتفع. والواقع أنه لو لم تكن الحكومة تدير العجز الكبير الآن لكان من المحتمل أن يكون الاقتصاد فى سبيله إلى كساد كامل.

تفسر ثقة المستثمرين المتزايدة فى أننا سوف ننجح فى تحاشى الكساد الكامل ليس ضغط الاقتراض الحكومى الزيادة الأخيرة فى أسعار الفائدة طويلة الأجل. وهذه الزيادة فى أسعار الفائدة، بالمناسبة، مازالت منخفضة بالمقاييس التاريخية. ولكنها ليست بالانخفاض الذى كانت عليه فى ذروة الذعر فى وقت لاحق من العام الحالى.

خلاصة الأمر هى أنه الاقتصاد الأمريكى كان قبل شهور قليلة يعانى خطر الوقوع فى الكساد. وقد أدت السياسة النقدية الجريئة وإنفاق العجز فى الوقت الراهن إلى تبديد هذا الخطر. وفجأة نجد المنتقدين يطالبوننا بإلغاء الأمر برمته والعودة إلى العمل كالمعتاد.

لابد من تجاهل تلك المطالب. فمن المبكر جدا التخلى عن السياسات التى أبعدتنا بضع بوصات عن حافة الهاوية.

© 2009 New York Times News Service

بول كروجمان حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
التعليقات