يستعد الجيش السورى لاحتلال الجزء الجنوبى من الدولة، بما فى ذلك المنطقة الحدودية فى هضبة الجولان، فى غضون بضعة أيام إلى بضعة أسابيع.
التقديرات الإسرائيلية أشارت، بداية الأمر، إلى أن احتلال جنوب سوريا («تحرير» بحسب ما تصفه وسائل الإعلام السورية الرسمية) واستعادته من أيدى منظمات المتمردين سيستغرق وقتا طويلا، وذلك فى ضوء الرغبة السورية فى عدم حرف الانتباه العالمى عن المونديال فى روسيا، لكن اتضح خلال الأيام الأخيرة أن الجدول الزمنى السورى أقصر كثيرا وأن الجيش السورى قد حصل على تصريح بالتحرك والعمل ضمن الفترة الزمنية الحالية، بالإضافة إلى إتمام إعادة الانتشار فى المنطقة قبل حلول أشهر الشتاء.
يتركز النشاط العسكرى السورى الآن فى منطقة درعا، عند الحدود السورية ــ الأردنية. وقد استطاع الجيش السورى، حتى الآن، إحكام سيطرته على المنطقة ما بين درعا ودمشق، كلها تقريبا، وهو يحاصر درعا حاليا ويقصفها من الجو. وتشير التقديرات إلى أن المدينة ستسقط فى قبضة الجيش السورى فى غضون وقت قصير. ومن درعا، من المتوقع أن يتحرك الجيش السورى فى اتجاه الجولان، إلى جنوب الهضبة أولا، إلى المنطقة التى تسيطر عليها تنظيمات تابعة لـ«داعش»، ثم يواصل التقدم شمالا، حتى جبل الشيخ.
من المتوقع أن يعمل الجيش السورى بالطريقة نفسها، لاحقا أيضا: محاصرة البلدات والقرى ــ «تجفيفها» ــ ثم إجراء مفاوضات كى تعلن استسلامها. فرضية العمل التى يعتمدها تقول إن أغلبية المناطق ستفضل الاستسلام على القتال وإن الجزء الأكبر من قوات المتمردين سيسلم أسلحته على أمل الفوز بعفو من الحكومة السورية، كما حدث فى المناطق التى عمل فيها الجيش السورى خلال الأيام الأخيرة، والتى كانت المقاومة فيها ضعيفة جدا. ومع ذلك، قد يجرى قتال شرس فى بعض القرى، بينها جباتا الخشب، التى يسيطر عليها الثوار منذ بداية الحرب الأهلية فى سورية.
تشير التقديرات [فى إسرائيل] إلى أن الجيش السورى سيحاول أن يتجنب، قدر المستطاع، القتال بالقرب من منطقة الحدود مع إسرائيل، وذلك خوفا من تسلل القتال إلى داخل المناطق الإسرائيلية، وهو ما سيؤدى إلى ردة فعل من الجيش الإسرائيلى ضد الجيش السورى، كما حدث فى الماضى. وكان الجيش الإسرائيلى قد دفع بتعزيزات عسكرية إلى هضبة الجولان، وبصورة خاصة فى وحدات المدفعية والمدرعات، بهدف ردع الجيش السورى أساسا، وكى يكون أيضا جاهزا للرد فى حال تطور القتال فى الجولان على نحو غير متوقع.
وقد نقلت إسرائيل رسائل إلى سورية، بواسطة قوة مراقبى الأمم المتحدة، فحواها أنها لن تسمح بأى خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1974، فى كل ما يخص المنطقة المنزوعة السلاح فى الجولان. ومن المرجح أن تتحرك إسرائيل فعليا، إذا لاحظت نشاطا سوريا مخالفا للاتفاق، وخصوصا فيما يتعلق بإدخال قوات مدرعة إلى المنطقة المحاذية للحدود، وكذلك فى حال تنفيذ سلاح الجو السورى هجمات بالقرب من الحدود. ومع ذلك، ليس من الواضح ماذا ستفعل إسرائيل فى حال استعانت سورية بطائرات روسية لتنفيذ تلك الهجمات.
من المتوقع أن يحاول الجيش السورى إتمام احتلال الجولان خلال وقت قصير، وربما يكون ذلك قبل انعقاد قمة ترامب ــ بوتين فى 16 يوليو الحالى. ومن المرجح أن يكون هذا الموضوع فى مركز الاجتماع الذى سيعقده رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مع الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، الأسبوع المقبل، على خلفية الطلب الإسرائيلى بالمحافظة على الاتفاقيات فى الجولان، وخصوصا فى ضوء التخوف من محاولات إيرانية لاستغلال الواقع المستجد من أجل إدخال قوات تابعة لها إلى الجولان، بغية فتح جبهة جديدة منها ضد إسرائيل.
ثمة مسألة أُخرى تثير قلقا إسرائيليا هى قضية اللاجئين الفارين من القرى التى يقترب الجيش السورى منها. ففى إثر إطلاق النيران صوب قرية نوى، فى نهاية الأسبوع الأخير، هربت أغلبية سكانها ــ بعضهم نحو الحدود مع الأردن، ونحو عشرة آلاف منهم نحو الحدود مع إسرائيل. صحيح أن الجيش الإسرائيلى قدم لهؤلاء مساعدات إنسانية وغذائية، إلا إنه أوضح أنه لن يسمح بدخول لاجئين إلى إسرائيل، باستثناء حالات صحية حرجة وعاجلة. ومن المتوقع أن تستمر هذه السياسة مع تقدم الجيش السورى اللاحق أيضا. وتشير التقديرات إلى أن أغلبية هؤلاء اللاجئين ستختار العودة إلى بيوتها وقراها مع انتهاء المعارك واحتلال الجيش السورى المنطقة بأكملها.
على خلفية تصاعُد عمليات الجيش السورى، أجرى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلى، الجنرال غادى أيزنكوت، أمس، زيارة إلى وحدة «هبشان» على الحدود الإسرائيلية ـ السورية، برفقة عدد من الضباط الكبار. وطبقا لبيان الجيش الإسرائيلى، أجرى رئيس الأركان خلال الزيارة تقويما للوضع بشأن مسألة القتال فى سورية وجاهزية المنطقة العسكرية الشمالية، كما استمع إلى عرض قدمه قائد المنطقة العسكرية الشمالية، اللواء يوئيل ستريك، وقائد وحدة «هبشان»، العقيد عميت فيشر. وأفاد الجيش الإسرائيلى أن «الجيش يتابع عن كثب مجريات الأحداث والتطورات فى سورية ولديه جاهزية للعمل فى مختلف السيناريوهات، بغية المحافظة على الواقع الأمنى فى محيط المنطقة الحدودية. وسيواصل الجيش الإسرائيلى، أيضا، تقديم المساعدات الإنسانية فى داخل المناطق السورية، إلى جانب منع دخول اللاجئين إلى داخل إسرائيل».
محلل عسكرى - يسرائيل هيوم
يوآف ليمور