لماذا تروج السلطوية للعبث؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 5 أكتوبر 2024 8:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا تروج السلطوية للعبث؟

نشر فى : الأحد 6 سبتمبر 2015 - 6:40 ص | آخر تحديث : الأحد 6 سبتمبر 2015 - 6:40 ص

ليست السلطوية الجديدة فى مصر ولا مؤسساتها الأمنية والاستخباراتية فاقدة الأهلية لتظن أن دفع البعض داخل المجلس القومى لحقوق الإنسان لإصدار تقارير تنفى وقوع مظالم أو انتهاكات أو تجاوزات داخل السجون وأماكن الاحتجاز سيقنع الرأى العام «بنقاء سجل» الحكم أو بالتزامه مقتضيات صون الكرامة الإنسانية خلف الأسوار.

ليست السلطوية الجديدة فاقدة الأهلية لتظن أن تقارير سجون «الخدمة المتميزة والشكاوى الغائبة» والأوضاع التى على ما يرام ستزين لقطاعات شعبية واسعة تصديق أن ممارسات التعذيب لا تحدث فى السجون، وأن ظواهر كالاختفاء القسرى وعذابات الأهل الذين لا يعلمون منذ أشهر طويلة أماكن أبنائهم وأقاربهم والسجون السرية للأمن الوطنى ما هى إلا أكاذيب ينشرها المتآمرون الذين يعملون فى منظمات حقوق الإنسان ومبادرات الدفاع عن الحريات، وأن الحديث عن تكرر الإهمال العمدى للأوضاع الصحية الصعبة لبعض المسلوبة حريتهم على نحو يرتب وفاتهم أو عن المعاملة غير المقبولة أخلاقيا وإنسانيا قبل قانونيا وإجرائيا لأهل المسلوبة حريتهم وللمحامين المتولين الدفاع عنهم يعتريه التهافت من جميع جوانبه ولا تتردد أصداؤه إلا بين المجموعات المتعاطفة مع «الإرهابيين» و«المعادية للدولة الوطنية» والكارهة للتقدم وللاستقرار.

ليست المؤسسات الأمنية والاستخباراتية فاقدة الأهلية لتظن أن القطاعات الشعبية التى تخاطبها بتقارير نقاء السجل وتقارير سجون الخدمة المتميزة لتزييف وعيها وتوظف سيطرتها على وسائل الإعلام وضجيج طيور الظلام ومكارثيى حكم الفرد للترويج الإعلامى المكثف للتقارير هذه لا تدرك الحقيقة كاملة ودون رتوش، أو أن أفرادها لم يقتربوا فى محيطهم الشخصى أو الأسرى أو المهنى المباشر من روايات موثقة للمظالم والانتهاكات التى تراكمت كالجبال منذ صيف 2013، أو لم يتنام إلى أسماعهم حكايات المختفين قسريا وحكايات الممنوع عنهم زيارات الأهل وحكايات الأمهات والآباء الذين تخور قواهم وهم يتنقلون بين أقسام الشرطة ومقار النيابات والمحاكم ودار القضاء العالى أملا فى معرفة أماكن الأبناء أو الأقارب، أو أن وخز الضمير الإنسانى الرافض للظلم والمطالب بالعدل لم يوقفهم عندما تكررت وفاة بعض المسلوبة حريتهم فى السجون وأماكن الاحتجاز أو أن القيم الأخلاقية لم تخاطبهم ليرفضوا الصمت على المظالم والانتهاكات وليتطهروا من جريمة التواطؤ صمتا – والتواطؤ هنا هو جريمة غير مباشرة يرتبها الصمت والمسئولية الأخلاقية والإنسانية هى باتجاه كل ضحايا المظالم والانتهاكات دون تمييز، تماما كما يمثل التبرير الفاسد للإرهاب جريمة غير مباشرة جوهرها تواطؤ مبررى الإرهاب مع عصاباته وتحملهم المسئولية الأخلاقية والإنسانية عن خرائط الدماء والدمار والحزن.

لا، ليست السلطوية الجديدة فاقدة الأهلية. وتعلم جيدا مؤسساتها الأمنية والاستخباراتية ووسائل الإعلام التى توجهها أن أغلبية المصريات والمصريين لا تصدق العبث الذى تحمله تقارير كتقرير «زيارة سجن العقرب» الذى صدر منذ أيام قليلة عن لجنة من لجان المجلس القومى لحقوق الإنسان. ويصعب تجاهل انصراف قطاعات شعبية مؤثرة عن هيستيريا نزع الإنسانية عن المعارضين / الصوت الواحد / الرأى الواحد / التفويض / العقاب الجماعى / البطل المنقذ التى استحوذت على المجال العام بين صيف 2013 وبين الانتخابات الرئاسية فى 2014. غير أن السلطوية ومؤسساتها تواصل الترويج لتقارير نقاء السجل وسجون الخدمة المتميزة، فى ظنى، لسببين آخرين: الأول هو الإبقاء على حصارها للمجال العام بالضجيج المعهود ومن ثم الحيلولة دون انتقال انصراف الناس عن «الرواية الرسمية» من خانات العزوف الشخصى وهوامش الرفض الخائف من التعبير الحر عن الرأى إلى مساحات علنية أوسع وأكثر جراءة، والثانى هو الإمعان فى اغتيال الضمير وتسفيه العقل ومن ثم فرض المزيد من الحصار على كل من يستند إليهما وإلى حساباتهما فى مقاومة السلطوية عبر تصدير الشعور بالهزيمة والانسحاق إزاء العبث الذى يحتفون به دون توقف.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات