محمد حسنين هيكل «مؤرخًا» - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد حسنين هيكل «مؤرخًا»

نشر فى : الجمعة 6 سبتمبر 2019 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 6 سبتمبر 2019 - 9:35 م

لم يكن المرحوم محمد حسنين هيكل (1923ــ2016) مجرد كاتب أو صحفى أو سياسى.. إلخ. لقد كان «مؤسسة« بكل ما تعنيه الكلمة، وجوهه غزيرة بل مربكة لمن أراد أو يحاول جاهدًا استقصاءَها، ولا مفر من الانتقاء وتركيز زاوية النظر على جانب محدد، بل ربما جزء محدود من هذا الجانب، إذا أراد دارس أو باحث أو مهتم أن يبرز أو يحلل أو يكشف جانبا من المنجز «الهيكلى»، إذا جاز التعبير.
كان يقول عن نفسه إنه «صحفى»، أتاحت له الظروف أن يكون شاهدًا على الأحداث فى مرحلة تاريخية معينة. ولكنه قبل ذلك، وبعد ذلك، لا ينسى صميم مهنته، وهى التعامل مع الأخبار والحقائق والمعلومات. وأن مهمته فى النهاية أن يقول كلمته ويمضى، تاركًا للتاريخ أن يُصدر أحكامه، وقتما تسمح الظروف، وتنزل الأستار، وتتكشف الحقائق.
فى كتابه «كتابات هيكل بين المصداقية والموضوعية» (عن دار العربى للنشر والتوزيع) يقدم الباحث يحيى حسن عمر دراسة شائقة شديدة الجاذبية والمتعة لكتابات المرحوم محمد حسنين هيكل من منظور تاريخى تحليلى، بغية الوصول إلى إجابة محددة عن السؤال: هل يُؤخذ كل ما كتبه المرحوم هيكل بغرض التأريخ لأحداث تاريخية عايشها وعاينها، وكان شاهدًا عليها بل أحيانًا مشاركا فى صنعها، دون فحص أو تمحيص أو مراجعة أو نقد؟
هذا ما فعله بالدقة باحثنا المجتهد فى هذا الكتاب الذى ركز زاوية بحثه على استقصاء جوانب البحث التاريخى، عن مصر تحديدًا، فى كل ما كتبه هيكل؛ صحيح أن الكتاب المنشور الموجه لقارئ عام مختلف بالتأكيد عن صورته الأولى كأطروحة علمية، لكن مادته بالكامل هى التى استخلصها الباحث وسجلها فى رسالته ليعرض للقارئ صورة أمينة ودقيقة لبحث هيكل فى المسائل التاريخية المتنوعة والمختلفة، ويقوم بفحص هذه الآراء، ويقارن بين النصوص ويحلل الوثائق ويراجع المعلومات، ويوثق التواريخ ليصل فى النهاية إلى أننا لا بد أن نكون على وعى دائمًا ونحن نقرأ أى مواد تاريخية بضرورة النقد والمراجعة والمساءلة، واكتشاف التناقضات التى يمكن يقع فيها الكاتب أو المؤرخ بوعى أو بدون أثناء كتابته.
الكتاب فى صورته الأولى كان أطروحة للماجستير بعنوان «تاريخ مصر فى كتابات محمد حسنين هيكل» تقدم بها المؤلف للحصول على درجة الماجستير من كلية الآداب قسم التاريخ بجامعة عين شمس، ولأن الكاتب ذهب إلى دراسة التاريخ بمحض إرادته مدفوعًا بميوله وشغفه تجاه التاريخ، فقد قدم دراسة شائقة تحمل الكثير من الجدية والطرافة معًا؛ والحقيقة أنه لا يملك المرء إزاء دراسة واسعة ومستقصية مثل التى قدمها يحيى عمر سوى أن يحترم هذا المجهود الفائق والبحث الدءوب بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا جزئيا أو كليا فيما توصل إليه من نتائج أو أصدر من أحكام.
لفتنى بشدة هذه القدرة المستوعبة على الاستقصاء والتتبع والتوثيق الدقيق لكل حرف كتبه الراحل حسنين هيكل؛ قدم المؤلف جهدًا توثيقيًا وببليوجرافيًا يشكر عليه، كما قدم أيضًا محاولة تصنيفية وتبويبية ممتازة لإنتاج هيكل يستحق أيضًا التحية عليه؛ ثم يبقى بعد ذلك الجزء الأهم، وهو الفرضية التى انطلق منها قارئًا ومحللًا للمادة الهائلة التى تجمعت تحت يديه لمناقشة ما كتبه المرحوم هيكل، ويدخل فى إطار التاريخ المباشر، أو ضمن الكتابات التاريخية التى يمكن التعامل معها كمصدر تاريخى.
من بين ستة وخمسين كتابًا للأستاذ هيكل، فإن سبعة كتب هى التى تحتوى ملاحق وثائقية، بالإضافة لثلاثة كتب أخرى أشار فى متنها إلى الكثير من الوثائق دون أن يضعها فى ملحق وثائقى. وقد قام المؤلف بدارسة إحصائية للمعلومات الرئيسية ومدى توثيقها فى سبعة من الكتب الرئيسية التى تناولت تاريخ مصر المعاصر، والتى تحتوى خمسة كتب منها ملاحقَ للوثائق، وهى: «بين الصحافة والسياسة» (1984)، «ملفات السويس» (1986)، «سنوات الغليان» (1988)، «الانفجار» (1990)، «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» (1993)، «سقوط نظام» (2002)، «مبارك وزمانه (1) ــ من المنصة إلى الميدان» (2012).
سيقوم المؤلف بجهد غير مسبوق فيما يخص الوثائق ونقدها، إنه يقرأ الوثيقة، ويراجعها، ويتأكد من سبب إيرادها، والغاية منها بعد فحصها ليكشف من خلال ذلك أمورًا مهمة تستوجب النظر والاهتمام والمراجعة.. (وللحديث بقية).