الأمن الرقمى لمراقبة من؟ قانون الجرائم الإلكترونية فى فلسطين - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمن الرقمى لمراقبة من؟ قانون الجرائم الإلكترونية فى فلسطين

نشر فى : الثلاثاء 6 نوفمبر 2018 - 10:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 6 نوفمبر 2018 - 10:55 م

نشرت مبادرة الإصلاح العربى ورقة بحثية للباحثة كيارا عياد تتناول فيها القضايا الأساسية المتعلقة بالشفافية فى العمليات التشريعية والمساءلة الحكومية خلال وضع الأُطر القانونية لحماية المواطنين فى السياق الفلسطينى. وتعرض كيفية تحوّل قانون الأمن الرقمى إلى أداة لقمع المعارضة المدنية وإسكات المعارضة السياسية، وهو القانون الذى يُفترض أنه وُضِع لحماية المواطنين، ولتعزيز الأمن الرقمى لهم.

لقد أصدر الرئيس محمود عباس قانون الجرائم الإلكترونية فى يونيو 2017 وبدلا من أن يعزز القانون الأمن الرقمى للمواطنين، أصبح أداة لقمع المعارضة الداخلية. ما أثار حفيظة مؤسسات المجتمع المدنى التى طالب بتعديل القانون، مسلطة الضوء بذلك على أزمة الشرعية فى حكومة السلطة الفلسطينية.
لا شكّ فى أنّ ممارسات الحكومة الإسرائيلية ــ المتمثلة فى الإشراف الشامل على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحكّم فيها ــ تحدّ من القدرة الحمائية لتدابير الأمن الرقمى الفلسطينية. وتركز الورقة على الدور الذى لعبته الحكومة الفلسطينية فى زيادة خوف مواطنيها من الرقابة وانعدام الأمن على المنصّات الرقميّة.

التشريع الضرورى والتشريع الباطني
فى يونيو 2017، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قانون الجرائم الإلكترونية رقم (16) بموجب مرسوم رئاسى. وقد تمّ إقراره بسريّة وفُرِض مباشرة بدون تشاور مع منظمات المجتمع المدنى.. يُجرّم هذا التشريع المخالفات ضدّ الأصول والهويّات الماديّة دون الافتراضية، ويشدد خبراء قانونيون على أن الإطار القانونى الموجود فى فلسطين قبل إصدار قانون الجرائم الإلكترونية يتطلّب تطويرا فى تعريف الجرائم الرقمية، وليس كافيا لمكافحة إساءة استخدام الإنترنت والبيانات ونُظُم الكمبيوتر. وتشارك الشرطة الفلسطينية هذا الرأى، مُؤكِّدة أن القانون الجديد سيُمكِّن من التجريم الفعّال والملاحقة القضائية وجمع الأدلّة المُتعلِّقة بالجرائم الرقمية.
منذ عام 2015، ازدادت الجرائم الإلكترونية فى فلسطين، فى قطاع غزّة وفى الضفة الغربية على حدٍّ سواء. وتشمل هذه الجرائم سرقة الهوية والتشهير والابتزاز. وقد شرعت وحدة الجرائم الإلكترونية الفلسطينية فى إجراء تحقيقات فى الجرائم الرقمية التى ارتُكِبت من قبل مواطنين فلسطينيين أو ضدّهم. وكانت الوزارات والمسئولون الفلسطينيون قد استُهدِفوا هم أنفسهم من قبل حملات التصيّد الإلكترونى الاحتيالى والقرصنة، ويُعزى هذا الارتفاع فى الجريمة الرقمية إلى عاملين رئيسيين: الأول هو زيادة الاتصال بالإنترنت واستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، والثانى هو عدم وجود قوانين تسمح لموظفى إنفاذ القانون بمقاضاة الجرائم التى تُرتكب من خلال شبكات الكمبيوتر.
يتضمّن قانون الجرائم الإلكترونية الفلسطينى مادّة تُعاقب على سرقة الهوية والاحتيال والتزوير ونشر المواد الإباحية للأطفال، فضلا عن الجرائم الأخرى المُرتكبة عبر الوسائل الرقميّة وشبكات الكمبيوتر. وأطلقت منظمات المجتمع المدنى الفلسطينية حملات دعت إلى مقاطعة القانون والمطالبة بإصلاحه، وذلك بسبب الطريقة السريّة التى تمّ بها تمرير القانون، وبسبب استخدامه فورا وبدون إبطاء بهدف مقاضاة السجناء والنشطاء الفلسطينيين وسجنهم.
البناء على سياسات المراقبة الإسرائيلية
لطالما راقبت السلطات الإسرائيلية عن كثب النشاط الفلسطينى عبر الإنترنت، من خلال سياسات الرقابة الجماعية لتقصّى الدعوات إلى المقاومة أو العنف، فضلا عن استقصاء المعلومات التى يمكن استخدامها لإرغام الفلسطينيين على التعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية.
ويواجه الفلسطينيون خطر اتهامهم بالتحريض على العنف عندما يقومون بتوثيق المواجهات مع جنود جيش الدفاع الإسرائيلى ويشارك لقطات منها، أو حين ينشر قصائد تدعو إلى «المقاومة». ومن ثم فإن ممارسات الرقابة الجماعية على الإنترنت والتجريم القاسى تؤدّى إلى تقييد نقد سياسات الاحتلال وتوثيقها. ومع ذلك، فإن المحاولة الإسرائيلية لكبح العنف لا تزال من جانب واحد، حيث لا يوجد سوى القليل من الجهود للتصدى للتحريض الإسرائيلى.
ومع صدور قانون الجرائم الإلكترونية رقم (16)؛ فإن الشاغل الرئيسى هو الدور الذى يمكن أن يلعبه هذا القانون فى تعميق الرقابة الإسرائيلية، إذا أخذنا بالاعتبار التزام السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمنى مع الوحدات الأمنية الإسرائيلية.

القانون رقم (16) وتهديد الحريّات المدنية والخصوصية وحريّة الصحافة
يفرض قانون الجرائم الإلكترونية رقم (16) عقوبات بالسجن والغرامات لجرائم الاتجار بالبشر والتمييز العنصرى وتمويل الإرهاب وغيرها من الجرائم التى تُرتكب عبر الإنترنت وتقنيات الكمبيوتر. كما يفرض القانون عقوبات على الذين يُنتِجون أو ينشرون «المواد غير الأخلاقية» رقميا، أو المواد التى تُعرِّض «النظام العام« للخطر، مما يسمح بمزيد من العقوبات الاجتماعية والمراقبة من قبل قوات الأمن. ويفتقر التشريع إلى تعريفات واضحة لمصطلحات مثل «الأخلاق العامّة» و«النظام العامّ» و«الأمن القوميّ» و«الوحدة الوطنيّة»، الأمر الذى يؤدّى بدوره إلى إساءة استخدام مثل هذه الموادّ العمومية.
وفى غياب تشريعات حماية البيانات والضمانات اللازمة، وغياب المشاورات مع منظّمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال الحقوق الرقمية؛ فإن القانون رقم (16) يترك بيانات المواطنين عرضة للانتهاك من قبل أجهزة أمن الدولة، ويُهدّد الحقّ فى الخصوصية. ويمنح القانونُ السلطات الحقّ فى الوصول إلى بيانات المواطنين. إن مثل هذه التشريعات التى فُرِضت من قبل السلطة بدون نقاش مع مزودى خدمات الإنترنت ومع المجتمع المدني، لا تسمح للمواطنين بمعرفة مثل هذه التدخّلات، مما يزيد من خطر انتهاك اتصالاتهم وبياناتهم.

رد فعل المجتمع المدنى وضغطه من أجل التعديلات
وتضيف الباحثة أن القانون رقم (16)، يشكل تهديدا أيضا لحرية التعبير والوصول إلى المعلومات وخاصة حرية الصحافة.. وتستهدف المادة 20 على وجه التحديد نشر الأخبار التى تهدّد «الوحدة الوطنية».
لقد كان قانون الجرائم الإلكترونية رقم (16) فى نهاية المطاف عبئا جديدا أُضيف إلى القيود المفروضة على وسائل الإعلام الفلسطينية وحرية الصحافة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، ما يساهم فى خلق بيئة قاتمة من الخوف والمراقبة الجماعية. ويزوّد القانون قوات الأمن الفلسطينية بآلية قانونية للحدّ من حرية الوصول إلى المعلومات ويمكِّنها من احتجاز الصحفيين والنشطاء بشكل تعسفى. والحال أن عدد انتهاكات الحريات الإعلامية التى ارتكبتها قوات الأمن الفلسطينية فى يونيو 2017 كان أعلى من تلك التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى، وقد بلغت هذه الانتهاكات ذروتها بعد صدور القانون.
ولا شك أن استخدام القانون رقم (16) لقمع المعارضة المدنية وحرية التعبير يثير المزيد من القلق بسبب تأثيره على احتمالات التغيير الإيجابى المُستدام الذى يعتمد بشكل كبير على عوامل وهى انفتاح المجتمع الفلسطينى والثقة فى قيادته، ولا سيّما فى المجالات الاجتماعية ــ الاقتصادية والسياسية فى فلسطين. وقد اهتزّت هذه العوامل جرّاء هذه الحملة على الحرّيّات المدنية وحريّة التعبير.
وبسبب ضغط التحالف، تمّ نشر قانون مُعدّل للجريمة الرقمية، وهو القانون رقم (10)، فى 3 مايو 2018 ليحلّ محلّ القانون رقم (16). وقد نجح التحالف فى الضغط لإزالة المادة 20، وتخفيض العقوبات القاسية، وإلغاء التجريم المتعلّق بمصطلحات غير مُحدّدة بشكل واضح، مثل «الوحدة الوطنية» و«النظام العامّ»، كما أُضِيفت أحكام جديدة مثل المادة 21 التى تحمى وسائل الإعلام والنشر والحريّات الفنية.
وعلى الرغم من هذه التعديلات، فإن القانون الجديد لم يعالج مصادر القلق كلها، وأبرزها فى القانون رقم (16) تلك المُتعلِّقة بالصلاحيات المفرطة وجمع الأدلّة بشكل غير قانونى، حيث بقيت دون تغيير فى قانون 2018. كما أبقت المادة 39 فى القانون الجديد رقم (10) صلاحية حجب مواقع الإنترنت بيد السلطة، كما كانت عليه الحال فى المادة رقم 40 من القانون رقم (16).

التشريع الباطنى فى سياق أزمة الشرعية
يُعتبر قانون الجرائم الإلكترونية الأصلى رقم (16) جزءا لا يتجزّأ من النهج الأمنى للسلطة الفلسطينية، إذا أخذنا آثاره الاجتماعية والسياسية بالاعتبار، إذ يعتمد النظام على أجهزته الأمنية ومؤسّساته لتوطيد حكمه، مع مواجهة أزمة شرعية وزيادة استياء المجتمع المدنى من الوضع الراهن الراكد. وخلال العقد الماضى، ازداد عدم الرضا عن فشل الجهود التى تبذلها القيادة لإنهاء الاحتلال أو لتوفير المستلزمات الأساسية لمواطنيها وحكمهم حكما رشيدا.
ووفقا لنشطاء المجتمع المدنى، فإنّ القانون الجديد هو محاولة لتدعيم حكومة تفقد شرعيتها فى عيون شعبها، بواسطة خلق الخوف من الرقابة والاعتقال بدلا من بناء بيئة حمائية قائمة على الثقة. بيد أن استخدام قانون الجرائم الإلكترونية للسيطرة على المجال الرقمى، وهو أحد المجالات القليلة المتبقّية للتعبير السياسى الحرّ فى فلسطين، هو إشكالى أيضا؛ لأنه يؤدّى إلى الرقابة الذاتية، ويخنق إمكانات التغيير على مستوى الشارع ويقمع المناقشات الضرورية حول القيادة الفلسطينية.
أضف إلى ذلك أن المجلس التشريعى الفلسطينى كان عاطلا منذ فشله الذريع فى تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2007. ونتيجة ذلك، تمّ تركيز السلطات التشريعية والقضائية بشكل مفرط فى أيدى السلطة التنفيذية. وبموجب القانون الأساسى فى فلسطين، يمكن إصدار تشريع بموجب مرسوم رئاسى فى حالات الضرورة. ولكن التشريع بمرسوم فى حالات الضرورة أصبح القاعدة المُتّبعة منذ عام 2007، بالنظر إلى استمرار الانقسامات الفلسطينية وعدم القدرة على إنعاش المجلس التشريعى الفلسطينى. وما تشريع الجرائم الإلكترونية سوى واحد من بين مئات القرارات التى تمّ اتّخاذها بهذه الطريقة.
ويجعل هذا المأزق من الأهمية بمكان أن تمارس السلطة التنفيذية فى الحكومة هذه الصلاحيات بطريقة شفّافة واستشارية. إن بيئة يتزايد فيها عدم الثقة وعدم الرضا عن حكم السلطة الفلسطينية، مصحوبة بجهود الرئيس أحادية الجانب لسنّ مثل هذه التشريعات، تثير أسئلة أكبر حول مساءلة الحكومة الفلسطينية.
إن مثل هذه التحرّكات لإسكات الأصوات المعارضة والرقابة على المعارضة وحرية التعبير تتناقض مع المبادئ الديمقراطية وتسهم فى ترسيخ ما يعتبره الكثير من الفلسطينيين قاعدة غير شرعية. علاوة على ذلك، فإنّ الانقسام السياسى الفلسطينى ظلّ لفترة طويلة عقبة رئيسية أمام عملية السلام وبناء الدولة وإنهاء الاحتلال العسكرى الإسرائيلى الذى استمرّ 70 عاما.
وأخيرا تضيف الباحث أن قدرة الأمن الرقمى فى فلسطين تتأثر دائما بسيطرة الحكومة الإسرائيلية على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطينية وواردات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتردّدات الاتصالات. وفى ظلّ وجود حاجة مُلحّة إلى زيادة القدرة على وقاية الأمن الرقمى فى فلسطين؛ فإنّ ذلك لا بدّ أن يتمّ بما يتفق مع الالتزامات الدولية للسلطة الفلسطينية فيما يتعلّق بالخصوصية والحريات الفردية، والامتناع عن التعدى على النشاط السياسى الذى يُسهم فى تحقيق الديمقراطية والانفتاح الضروريين للمجتمع الفلسطينى.

النص الأصلي

التعليقات