قام يوسف وهبى بتقسيم إحدى القصص التى اقتبسها إلى فيلمين متشابهين إلى حد التطابق، قام بكتابتهما وإخراجهما، والقيام بالبطولة فى عامين متتابعين الفيلم الأول هو «بنت ذوات» عام 1942، والثانى هو «ابن الحداد» عام 1944 الفيلمان يدوران فى النصف الأول من الاربعينيات، والفيلمان يتكلمان عن الاثرياء الذين يحملون النسب الكريم، لكنهم يتعرضون لأزمات اقتصادية، تكاد تفقدهم ثرواتهم، ثم يأتى ابن الفقراء الذى تمكن من تحقيق ثروة مناسبة من خلال تفوقه العلمى، ويقوم بإنقاذ الموقف، وهو مساندة أسرة الذوات من الافلاس مقابل أن يتزوج من حبيبته ابنة الأغنياء، حيث إن القوانين الاجتماعية تحول دون الفقراء أن يقتربوا من الأثرياء، والأمر أقرب إلى العيب، وعند الضرورة فإن أهل الزوجة لا يتورعون عن معايرة الفقراء بأصلهم الوضيع، وإذا كان يوسف وهبى فى الفيلم الثانى هو ابن الحداد، فإنه فى الفيلم الأول إبراهيم ابن الخولى، مزارع الحقول فى عزبة الباشا، واذا كانت هناك اختلافات بسيطة بين الحدوتة، فإننا أمام فيلم نسخة كربونية من الآخر، ابن الفقراء هو الأول فى التعليم، أما ابن الذوات فهو النزق، الخارج عن الاعراف الاجتماعية ولذا فإن الممثل الذى جسّد دور الاب هنا عبدالمجيد شكرى يقوم بالدور نفسه فى الفيلم الثانى، كما أن الممثل فاخر فاخر يؤدى فى الفيلمين دور الشقيق، ابن الذوات، فهو إحسان الذى تسبب فى طرد المدرس من العمل، وقد خاصم أباه وكان سببا فى إفلاس أبيه.
فى فيلم «بنت ذوات» لم ينس المهندس الناجح أبدا أنه ابن الخولى، يدخل الانتخابات، ويردد إبراهيم للناس إنه الفلاح ابن الفلاح الذى تربت أكتافه من خيرات الباشا حتى بعد أن تزوج ابنته سامية. حيث يعترف لها أنها كانت شعلة النور التى أنارت له الطريق وهو يستكمل تعليمه فى باريس، وقد ظل هذا الهاجس يؤرق الممثل فى أفلامه الأخرى، وسمعناه يسب أخته المحامية المتعلمة الناجحة ان عليها لعنة الفلاح فى فيلم «الافوكاتو مديحة»، بمعنى أن هذا الأمر ظل يؤرق يوسف وهبى، وهو فى «بنت الذوات» يصور مدى علاقة الفلاح وابنه بالأرض والفلاحة، فمتولى الخولى يبلغ ابنه أنه يحب الفلاحة فى المقام الأول، ويكيل إبراهيم للفلاحة المديح فى أكثر من مرة من حديثه، يختتم كلامه.
«ما أكرم الفلاح»، وقد حاول بعد الزواج أن يروض امرأته باعتبار أن الاقتران كان أقرب إلى صفقة منها إلى مشاعر الحب التى تنامت فى قلبى إبراهيم وسامية منذ الطفولة حتى تزوجها، وتعمد أن يعاملها كخادمة، وأنها السيدة التى تستحق كل الوقار، فهو ينتظرها حتى تأكل، ويناديها دوما سيدتى، وفى فيلم «ابن الحداد» فإن المهندس يخبر زوجته وأسرتها كذبا أنه صار مفلسا حتى تعيش فى ظروف مختلفة لم تعتد على العيش فيها، وبعد أن ينتهى الترويض، تستقر الأمور، أما فيلم «بنت ذوات» فإن الزوجين يدخلان فى لعبة المقالب التى انتشرت فى الكثير من النصوص المسرحية، خاصة أعمال موليير، حيت تصل اللعبة إلى حد الجد، يتصور إبراهيم أن زوجته سامية تخونه بالفعل، وهكذا تتقلب الأمور بين التراجيديا والكوميديا.
بالنسبة لهذه النقطة فإن بشارة واكيم يبدو فى منتهى خفة الظل فى المشهد الاول من الفيلم، وهو يؤدى دور الباشا الذى يركب القطار، وقبل مغادرة القطار للمحطة ينتظر بلهفة وصول الخادم حاملا زجاجة الدواء التى لا يستغنى عنها، فإذا بنا نعرف أنها زجاجات خمور، ولعل القارئ الذى يتابعنا يذكر أننى كتبت من قبل ان المشاهد عليه مشاهدة أى فيلم بمجرد أن يقرأ اسم واكيم ضمن المشاركين فى الفيلم، ونحن نعرف أن يوسف وهبى كان يتعاون معه كثيرا فى أفلامه مثل «غرام وانتقام» عام 1944، وقد تضارب الدور الذى جسده واكيم هنا حيث هو النزق أحيانا، الشرير، أو الباشا الذى يتغير سلوكه بسبب ما تعرض له من تقلبات مالية واجتماعية، وقد صور المخرج فى الفيلمين موقفا متشابها من أجل عمل الترويض، حين تتم دعوة الوالدين إلى حفل يحضره أبناء الطبقة الراقية، كى يتم تناول الطعام كما اعتادوا، وفى كلا الفيلمين فإن المهندس هو الذى ينقذ شقيق الزوجة من حالة النزق التى استبدت به منذ طفولته.
الفيلم ببساطة وبمنطوق يوسف وهبى، يبعث مسألة أثرياء عصره وكل عصر أن عليهم أن يكفوا عن ازدراء الفقراء، وأن أبناء هذه الطبقة تعلموا وتفوقوا.
من المهم الاعتراف أنه كى نتلافى عيوب هذه الأفلام، خاصة التمثيل أن نتعامل معها على أنها مسرحيات تم تصويرها سينمائيا، تتسم بكل المبالغات قد فرضت لغة الحوار أن يكون الممثل فى حالة تقمص واضحة من الخطابة، حتى بالنسبة للممثلات اللاتى لم تعرف عنهن احتراف العمل المسرحى، مثلما رأينا راقية إبراهيم هنا، ومديحة يسرى فى فيلم «ابن الحداد»، لم يكن من السهل أن يقرض الممثل المخرج أسلوبه إلا بمرور الزمن، وعليه يجب أن يغير المشاهد ذوقه فى التلقى وهذا أمر من الصعب فعله.
يوسف وهبى فى هذا الفيلم صور أول معركة انتخابية سينمائية، وقد كرر الأمر فى «الافوكاتو مديحة»، 1949 وفى كل مرة سمعنا هتافات لتكريم أصوات الفلاحين.
فى هذا الفيلم تم تفسير لغز قيام الممثلة راقية إبراهيم بالغناء فى أغلب أفلامها بصوت بالغ النقاء، دون أن يعرف الكثيرون صاحبات الصوت الأصلى، فقد غنت هنا أربع أغنيات بصوت المطربة ملك صاحبة الصوت القوى، من تلحين السنباطى وفريد غصن وبالطبع محمد عبدالوهاب مطرب الملوك والأمراء كما جاء فى العناوين فى واحدة من أشهر أغنيات عبدالوهاب.