تحت عنوان «استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف» عقدت مكتبة الإسكندرية بالتنسيق مع وزارة الخارجية مؤتمرا للمثقفين العرب فى الأيام الأولى من العام الجديد، شهد نقاشات جادة حول سبل مواجهة التطرف.
ثلاث رسائل مهمة ينبغى أن تكون محل تأمل:
أولا: التطرف مرض عضال، ليس جديدا، مرجعيته واحدة، ويتعدد المتحدثون باسمه من التنظيمات والجماعات والأفراد، وبالتالى فإن استراتيجية مواجهته ينبغى أن تكون ممتدة، لأن مستقبل المنطقة العربية مرهون بقدرة شعوبه على هزيمة التطرف، والمضى قدما على طريق التقدم والاستنارة. وإذا استطاعت جامعة الدول العربية أن تجعل من مواجهة التطرف أحد مجالات العمل العربى المشترك، فسوف تساعد شعوب المنطقة على تلمس المشتركات الإنسانية، وتعى أهمية التقدم والديمقراطية والاستنارة الذهنية.
ثانيا: مواجهة التطرف مشروع متعدد الأبعاد، والعمل العربى المشترك ينبغى أن يكون أيضا متعدد الأبعاد: التعليم، الإعلام، الثقافة، الأمن، وكذلك الاهتمام بالقضايا النوعية المهمة مثل المرأة والمجتمعات الدينية والأقليات العرقية، كل ذلك فى نسيج واحد متكامل. هناك بالتأكيد عمل فى كل مجال على حدة، بعضه جاد، وبعضه مترهل، لكن فى النهاية هناك ما يشبه الجزر المنعزلة، بناء الاستراتيجية المتكاملة مسألة مهمة فى تجميع المناطق المتفرقة فى مجرى واحد من العمل المشترك.
ثالثا: الأمن مطلوب فى المواجهة المستمرة مع التطرف، ولكن المسألة ليست أمنية فقط، ولا ينبغى أن تكون أمنية فقط، لأن فى التطرف فكرا شاذا، وتعليما مترهلا، وثقافة غائبة، وشعبوية فكرية تصل إلى قطاعات واسعة من الناس تجعل الممارسة اليومية بعيدة كل البعد عن القيم العليا للأديان، والثقافة الإنسانية الرفيعة، والأخلاق. ينبغى أن يقترن الأمن بالتنمية، لأن كلاهما يغذى الآخر. الأمن يوفر سياقا للتنمية، والتنمية الصحيحة تخلق بيئة آمنة فى ذاته. الفقر، والعشوائيات، والتهميش الاجتماعى توفر موردا لاجتذاب متطرفين، ونشر فكر التخلف، واختطاف المواطن بعيدا عن الدولة بمؤسساتها، طالما أن جماعات التطرف توفر لهؤلاء المهمشين شبكات اجتماعية تسد حاجاتهم.
هذه رسائل ثلاث يمكن التقاطها من ثنايا النقاشات التى جرت أثناء المؤتمر. نخطئ حين نظن أن «داعش»، بما تمارسه من فظائع ضد الإنسانية هى صورة التطرف الغالبة، لأن هناك أشباها لها فى كل مكان طالما أن المورد الذى يستقى منه الجميع واحد، وهو المرجعية المنافية للدين والأخلاق والإنسانية.
هذه قضية أساسية، بل هى ثورة مهمة أن تتشجع المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية على القيام بها، لأن الاجابات الخجولة، والأبواب المواربة، ومسك العصى من المنتصف لن يفيد بل يمثل فى ذاته فسحة من الوقت للتطرف والمتطرفين فى المنطقة العربية.
المشوار يبدو طويلا، ومن يتصور غير ذلك لا يعى أبعاد ظاهرة التطرف، ولكن المسألة ليست هوجة لحظية، ولكن عملا ممتدا مستمرا، مؤسسا على نظرية علمية. هكذا تكون المواجهة.