أظهرت الجماهير المصرية امتنانا للفريق القومى لكرة القدم رغم خسارته فى المباراة النهائية فى دورة الألعاب الأفريقية، ويكفى النظر إلى التعليقات التى هيمنت على مواقع التواصل الاجتماعى حتى نتبين حالة التفهم، والتقدير، والاحتفاء بأداء الفريق فى البطولة.
ولكن المشهد الذى يستحق التوقف أمامه هو عودة الجماهير بكثافة إلى المجال العام من بوابة كرة القدم. منذ سنوات بعد انتهاء حكم الإخوان المسلمين فى 30 يونيو 2013م أشار بعض المحللين إلى ظاهرة انصراف الناس من الشارع. فقد أصبح مفهوم التظاهر غير مقبول، وقلت قوة الدفع الأساسية بالمظاهرات، وأصبحت محدودة فى العدد لا تحظى بأى طلب جماهيرى، وساد مصطلح رائج «الناس تعبت». ليس هذا فحسب بل شهدت الانتخابات البرلمانية فى 2015 انصرافا من الناخبين، وعرفت ظواهر من قبيل انخفاض معدلات التصويت، وشراء الأصوات، وغيرها خاصة فى جولات الإعادة، وهو الأمر الذى دفع البعض إلى الحديث عن انصراف الناس، وابتعادهم عن السياسة، وانشغالهم بلقمة العيش، والرغبة فى الأمن. وهى ملاحظة كان فيها قدر من التعجل.
بالفعل انصرف الناس عن الاحتجاج السياسى فى الشارع، لكنهم لم ينصرفوا عن الشارع نفسه، والدليل على ذلك أن مشاهدة مباريات كرة القدم فى دورة الالعاب الأفريقية حملت روح 25 يناير و30 يونيو، من حيث اصطفاف أعداد كبيرة من الشباب فى المقاهى، ترافقهم فتيات، وأسر بأكملها: الوالدان والأولاد، الكل يرفع علم مصر، متفاعل مع الحدث، يعبر عن فرحته بالانتصارات فى البطولة، مثلما عبر عن حزنه بالصمت عقب الاخفاق فى المباراة النهائية. تأمل الحشود فى المقاهى، وحركة الناس فى الشارع، والتفاعل الكثيف مع الحدث يذكرنا بمشاهد جماهيرية كثيفة لم تبرح الذاكرة منذ سنوات، الناس فيها كانت هادرة. فى المقاهى التى استضافت شبابا وشابات، وقد لاحظت ذلك، لم أسمع لفظا خارجا اعتدنا على سماعه فى المقاهى فى المباريات، ولم تطلق عبارة فى غير محلها. جلست أسر، رجالا وسيدات، بجوار بعضهم بعضا على كراسى داخل المقاهى، وخارجها على الأرصفة، وأحيانا فى نهر الطريق ذاته دون خروج عن المألوف أو سوء تعبير أو مشاجرات.
الناس لا تزال لديها قابلية أن تكون فى الشارع متى شعرت أن وجودها ضروريا. وإذا لم تنزل إلى الشارع فلا يجب أن نرى ذلك على أنه انصراف عن الحركة، بقدر ما هو غياب الضرورة الموجبة للفعل. الناس تنزل تساند البلد برمتها، ولن يمنعها أحد، ولا يستطيع أحد أن يحد من حركتها، تفعل ذلك عندما تدرك أن الوطن، بمفهومه الشامل الجامع بحاجة إليها.
الدرس الذى يمكن استخلاصه من تفاعل الناس مع مباريات دورة الألعاب الأفريقية أن المجتمع لا يزال حيا بشبابه وشاباته، والبصمة التى تركتها خبرة الحراك السياسى فى السنوات الماضية لا تزال باقية، هؤلاء هم وقود حركته. يمكن للحكومة أن تستفيد من ذلك ــ بالطبع ــ من خلال خطاب يشجع على المشاركة، وإطلاق مبادرات تنموية تعبئ الجماهير، وتعمق من مشاركتهم فى شئون المجتمع. الناس لا تتفاعل مع التنمية من فوق، تريد التنمية من أسفل، أى المشروعات التى يشاركون فيها.