الضفة الغربية أكثر هدوءًا لكنها لا تزال تغلى - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الضفة الغربية أكثر هدوءًا لكنها لا تزال تغلى

نشر فى : الإثنين 7 مارس 2022 - 8:45 م | آخر تحديث : الإثنين 7 مارس 2022 - 8:45 م

الذين لم يسافروا بحثا عن الحرب الأوكرانية، بإمكانهم الاكتفاء بنسختها المصغرة. بعيدا عن التغطية الإعلامية، وعن الاهتمام العام، وتحديدا، خلال المأساة فى أوروبا الشرقية، تستمر الاحتكاكات الأمنية والهجمات الجوية ما وراء الحدود، وفى الأساس المواجهات فى المناطق. فى الشهر الماضى، قُتل سبعة فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلى فى الضفة الغربية. فى شمال الضفة وفى منطقة جنين ونابلس، والمقصود فى الأساس حوادث إطلاق نار مع خلايا فلسطينية مسلحة. فى جنوب الضفة، قُتل شاب خرج لإلقاء زجاجة مشتعلة على سيارة إسرائيلية، كما قُتل طالب فى كمين للجيش الإسرائيلى، على ما يبدو عن طريق الخطأ.
قلل الجيش من دخوله إلى مخيم اللاجئين فى جنين، نفذ هناك عملية ليلية لاعتقال مطلوب من «حماس». فى صباح اليوم التالى، جمع قائدا المنطقة الشمالية والمنطقة الوسطى قادة كتائبهما والألوية التابعة لهما فى نقطة مراقبة عند جبل جرزيم [الطور] فى مدينة نابلس، فى يوم دراسى بمناسبة مرور 20 عاما على عملية «السور الواقى»، التى حدثت فى مارس 2002. تضافُر هذين الحدثين أثار عدة أفكار بشأن العقدين اللذين مرا منذ ذلك الحين، والسؤال: إلى أى حد تغيرت الأمور، وما هى الوقائع التى ظلت فى النهاية على حالها تقريبا؟
تشكل عملية «السور الواقى» نقطة تحول فى الانتفاضة الثانية. فقد وافق رئيس الحكومة، آنذاك، أريئيل شارون على بدء العملية العسكرية، بعد عام ونصف العام من العمليات الانتحارية التى زرعت الموت فى المدن الإسرائيلية. حتى ذلك الحين، لم تنجح الردود العسكرية العنيفة فى ردع الفلسطينيين عن كفاحهم. احتلت خمس فرق من الجيش الإسرائيلى كل المدن الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. بعدها جرى بذل جهد أمنى عنيف وواسع لضرب البنية التحتية لـ«فتح» والمنظمات الفلسطينية فى الضفة، وصولا إلى إخماد الهجمات الانتحارية (وفى الواقع الانتفاضة كلها) فى سنة 2005.
منذ ذلك الحين، وبالتدريج، استعادت السلطة الفلسطينية السيطرة على مدن الضفة، بينما «حماس» طردت «فتح» من القطاع وسيطرت عليه فى سنة 2007. أعادت السلطة ترسيخ نفسها من جديد كحكم أكثر استقرارا، لكنه فاسد. الضفة الغربية هى اليوم مكان أكثر أمنا للجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، نسبيا، مما كانت عليه عند نشوب الانتفاضة الثانية فى سبتمبر 2000. بالإضافة إلى التنسيق الأمنى مع السلطة، فإن الاستقرار النسبى تحقق بفضل أسلوب «جز العشب»، الآلية التى تتسم بالنجاعة والوحشية التى يستخدمها الجيش والشاباك لإحباط الهجمات.
نتيجة ذلك، يتم إحباط جزء كبير من الهجمات قبل أن ينفَذ. وفعلا، توقفت الهجمات الانتحارية فى الضفة، سواء بسبب عدم قدرة فلسطينية، أو عدم وجود رغبة ناجمة عن الردع الإسرائيلى.
لقد كان للانتفاضة أيضا تداعيات سياسية بعيدة المدى. الهجمات المخيفة على الباصات، وعلى المطاعم والطرقات، رجحت كفة اليمين فى وسط الجمهور الإسرائيلى، وأدت إلى عدم ثقة عميقة فى مدى استعداد الجانب الفلسطينى للسلام. الذكريات والندوب من هذه الفترة تجعل من الصعب، حتى اليوم، الحصول على تأييد من أجل إحراز تقدُم حقيقى فى العملية السياسية.
لقد كان هدف العملية الليلية فى جنين اعتقال ناشط من «حماس» متهم بتورطه بالإرهاب. دخل مقاتلو وحدة المستعربين فى حرس الحدود إلى مخيم اللاجئين بسيارات فلسطينية. ونظرا إلى أن المطلوب هو أب لأربعة أولاد، جرى اقتحام باب المنزل من دون استخدام إطلاق النار.
سيطر المستعربون عليه من دون مقاومة فعلية، وخرجوا معه سيرا عبر شوارع المخيم. هناك اصطدموا، كما هو منتظَر، بصعوبات أكبر: بدأ عشرات الشبان برشقهم بالحجارة والزجاجات المشتعلة، وبسرعة انضم إليهم نشطاء مسلحون. ولدى وصول الجيب العسكرى لقائد الفرقة العسكرية والجيب العسكرى لقائد اللواء الإقليمى إلى خط التماس، بين المخيم والمدينة، تطور هناك مشهد أشبه بالغرب المتوحش. فقد طارد عدد من الدراجات النارية ومن المسلحين فى سيارات الجيبين العسكريين، ومن حين إلى آخر، أطلقوا النار بصورة عشوائية. قناصة من المستعربين قتلوا فلسطينيين اثنين، هما: سجين سابق مسلح من الجهاد الإسلامى، وشاب فى الـ18 من عمره، صودف وجوده هناك، بحسب السكان، لكن بحسب الجيش، كان هو أيضا مسلحا.
العملية الليلية والحوادث الأُخرى التى وقعت فى الفترة الأخيرة تزيد فى حدة ما هو مفروغ منه ــ أيادى الجيش الإسرائيلى فى المناطق ليست مكبلة. تعليمات إطلاق النار واسعة النطاق للغاية، وتترك القرار فى أيدى القادة والجنود. لكن القادة بصورة عامة يعرفون كيف يركزون على الهدف الأساسى ــ فى هذه الحالة، اعتقال المطلوب ــ وليس على تعداد جثث المسلحين. لو لم يُشرح للمقاتلين سلم الأولويات، لكانت تلك الليلة انتهت مع عشرة قتلى من الفلسطينيين.
طرقات الضفة تشهد مناوشات من نوع آخر. ازدياد الهجمات على السيارات الإسرائيلية يؤدى إلى شعور المستوطنين بعدم الأمان، ويضغط على القادة كى يتحركوا. عدد من الكمائن على جانبى الطرقات ينتهى بإطلاق النار على راشقى الحجارة والزجاجات المشتعلة، وأغلبيتهم من الأولاد والشباب.

عاموس هرئيل
محلل عسكرى
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات