تظل الظواهر باقية، ولكن الاهتمام بها يحدث مع تجدد الأحداث. هذه إحدى سمات الحياة العامة. تقع حادثة، تشد اهتمام الإعلام، وهو أمر طبيعى، ينشغل بها الناس، ثم ما تلبث أن تخفت بعد أن تزيحها عن الساحة حادثة أخرى، وهكذا. هذا ما نطلق عليه «الهوجة»ــ أى الحشد، والانفعال الجماهيرى، والانشغال المفاجئ.
منذ أيام حدث اهتمام إلكترونى بموضوع التحرش، وجرى تسمية شاب، واتهامه بالتحرش بعدد كبير من الفتيات، وآل الأمر إلى التحقيق مع هذا الشاب، وحبسه على ذمة التحقيقات. ويمثل ما حدث «شجاعة» من جانب هؤلاء الفتيات، كنت أتمنى أن نراها منذ فترة، ولاسيما أن الوقائع التى اتهم بها الشاب ليست جميعا جديدة. اللافت أن المجتمع اهتم بموضوع التحرش كما لو أنه جديد، أو طارئ، فى حين أنه يشكل أحد التحديات الأساسية التى تواجه السيدات والفتيات، إلى حد أن مجتمعنا يصنف من أكثر المجتمعات أبتلاء بالتحرش. وهناك إحصاءات تشير إلى أن التحرش أصبح من الممارسات الاعتيادية، سواء كان لفظيا أو جسديا. وأظن أن تغليظ العقوبة القانونية، وتصدى جهاز الشرطة لمواجهته، خاصة فى فترة الأعياد، قلل من وطأته. الإشكالية ليست فقط فى حدوث التحرش، ولكن فى الاهتمام الموسمى به، وانتظار حدوث وقائع مفزعة حتى نوجه اهتماما له. أعرف بالطبع أن هناك هيئات تعنى بذلك مثل المجلس القومى للمرأة، أو المجلس القومى للطفولة والأمومة، وجمعيات أهلية، تماما مثلما يجرى الاهتمام بقضايا أخرى مثل «ختان الإناث» وغيرها، والذى يتضاعف، ويصل إلى دوائر الإعلام بكثافة، إذا كانت هناك وقائع تدفع لذلك. هذه حالة عامة فى مختلف القضايا، ويكفى أن نذكر أن التصدى لمخالفات البناء الذى يشغل كل الأجهزة المحلية الآن لم يكن نتيجة حدوث مخالفات، فهى تحدث على نطاق واسع منذ سنوات، ولكن نتيجة توجيهات رئيس الجمهورية التى شدد على دور مؤسسات الدولة فى التصدى للمخالفات، وعدم الرضوخ لها.
لا نريد أن يحكمنا «العار» وليس «العيب» فى التصدى للمشكلات، أى نصمت على الخطأ، ولا نثور ضده إلا عندما يفتضح أمره، بل أن يكون هناك «توجه» ثابت فى مواجهة الأخطاء، دون انتظار حدوث هوجة.