دعتنى الصديقة الكبيرة السيدة سلوى المغربى صاحبة ومديرة قاعة «خان المغربى» بالزمالك لزيارتها فى مناسبة الاحتفال بالعيد العشرين لتأسيس هذه القاعة النوعية لعرض الاعمال الفنية.
ولم أكذب خبرا لأنى أدين لها ولصاحبتها بالكثير مما أعرفه عن هذا الفن، كما أدين بصداقات وحوارات كثيرة أجريتها داخل جدرانها مع رموز وقامات مهمة كان من بين روادها وعلى رأسها الناقد الكبير كمال الجويلى والمفكر الراحل عبدالوهاب المسيرى والفنان الكبير حلمى التونى .
وفيها كتبت عن أعمال الرائدين سيف وادهم وانلى وجمال السجينى وطالعت خطابات رسام الكاريكاتير الشهير حجازى ورأيت اللوحات الأولى لفنانين شباب صاروا اليوم من نجوم الحركة التشكيلية أمثال عمر عبدالظاهر وإبراهيم الدسوقى فهمى وهند عدنان وأشرف الزمزمى وآخرين قدمتهم سلوى المغربى التى قضت سنوات شبابها فى بلاط صاحبة الجلالة بين قامات المهنة فى روز اليوسف والاهرام قبل أن تغادر للعمل فى لندن.
وعندما عادت منتصف التسعينيات اختارت تأسيس هذه القاعة التى حرصت على أن تنحاز فيها للقيمة الفنية قبل أى شىء، وسعت معها لبناء صداقات مع أجيال عدة واختصت فيها جيل من شباب الصحفيين كنت منهم برعاية خاصة ومعى الكاتب ناصر عراق الذى تحول من ناقد ورسام إلى روائى معروف.
وهذا الموسم استأنف «خان مغربى» نشاطاته بعد انقطاع دام لنحو خمس سنوات واستضاف فى مناسبة الاحتفال بعيده تأسيسه معرضا للفنان جلال الحسينى (تخرج من الفنون الجميلة عام 1960) وهو اسم كبير لكن شهرته لا تزال محصورة فى دوائر التشكيليين.
وأهم ما فى هذا المعرض التنوع اللافت فى التجربة التى تجاوز صاحبها تصنيفاته الراسخة كفنان مبدع فى إنجاز لوحات الطبيعة الصامتة والمائيات ومضى إلى آفاق أبعد.
وأثبت الحسينى جدارته بصفة يستحقها كشاعر للألوان وضابط لإيقاع اللحظات اللاهثة التى أضفى عليها مسحة رومانسية تتسم بالأناقة ومهارة الانتقال من المائيات إلى الالوان الزيتية إلى الاكواريل دون اضطراب.
ووازن الفنان بنعومة بين ماضيه القائم على رصد الحياة اليومية بمختلف أشكالها فى لوحات تبدو أقرب للقطة الفوتوغرافية وبين حاضره الموجه لاقتناص اللحظات المعطلة فى أشكال الحوار والتى يطغى عليها الشعور بوطأة الزمن، غير أنها تفيض بطاقة تأملية ونزعة صوفية يسهل إدراكها فى تأمل علاقة الفنان بالطبيعة وهى علاقة تتسم بالأصالة والبساطة وتخلو من أى ادعاء أو فذلكة لا لزوم لها.
تتجلى فى اللوحات الكثير من أزمنة راغب عياد الغنية بصخبها وألوانها المتجانسة ونزعتها التأثيرية التى تحررها من واقعيتها المفرطة، إلى جانب اتساع المنظور والحرفية البالغة فى التعامل مع مسطح اللوحة ليكشف الفنان عن مهارة وقدرة على تطوير «الاسكتش».
فى أغلب اللوحات اعتمد الحسينى على خامات الاكواريل بصورة رئيسية وقدم تأويلا بصريا لافتا للطبيعة المصرية وبدت لوحاته كأنما هى دراما تسجيلية ذات طابع ملحمى توثق للبيئة المصرية فى تنوعاتها المختلفة بداية من القرى النوبية فى الجنوب مرورا بالصحراء والدلتا وحتى البحر، أو كأنما هى حبات عقد لا تنقطع عنه التسابيح.
ينصت جلال الحسينى لحركات الجموع ودون أن يهمل سعيها لمطاردة السراب، فأغلب شخوصه فى حالة مشى تعطى ظهرها للعالم ولا أحد يعرف هل هو تطرف الرفض أم قوة الاستغناء؟
لكن الظاهر أنها شخصيات لا تكترث بواقعها وتستعد للمغادرة
وتسعى لتقصى أثر الانفلات الذى قد يتجلى فى وردة مهملة أو انسحاب خيط لظل ينحسر عنه الضوء تدريجيا.