لاتحتمل مصر أبدا إهدار طاقات مواطناتها ومواطنيها وموارد مجتمعها وقدرات مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية، وهى تواجه أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب.
بجانب فسادها الأخلاقى والإنسانى، تهدر المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات والانتكاسات المتراكمة لسيادة القانون طاقات المواطن الذى يختزل وجوده إما فى هوية ضحية القمع التى قد تنتهى عندها حياته كما حدث أخيرا مع سندس رضا وشيماء الصباغ وكريم حمدى، أو فى فرد معرض للقيود وللعقوبات السالبة للحرية حال تمسكه بالتعبير السلمى الحر عن الرأى ورفضه التنازل عن المطالب الديمقراطية، أو فى موضع قمع محتمل تستدعى "بسهولة" أدواته القانونية وغير القانونية ما لم يمتثل لإرادة منظومة الحكم / السلطة ويقبل خاضعا مراقبته الدائمة فى مجاله الخاص وتهجير من المجال العام.
تهدر المظالم والانتهاكات طاقات المواطن وتفرض عليه مرارات غياب العدل، وتجرده عبر طيف واسع من المشاعر السلبية المرتبطة بالحزن والعجز والخوف من إنسانيته الباحثة بتفاؤل عن تحقيق الذات والمتطلعة بعقلانية إلى ممارسة المبادرة الفردية وإلى الاشتباك الإيجابى مع الشأن العام.
غير أن المظالم والانتهاكات والسلطوية المسئولة عنها تهدر كذلك السلم الأهلى للمجتمع وتصطنع به، شأنها شأن التخلف والفقر ومحدودية جهود التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بيئات سكانية قابلة للتطرف المبرر للإرهاب وللعنف ولحمل السلاح، ومتورطة فى الترويج لمقولات "انتقام وتشفى" لا تتجه وحسب إلى الحكم / السلطة والنخب المتحالفة معها بل إلى عموم الناس وفقا للقاعدة الفاشية "من ليس معنا، فهو ضدنا" ــ والموظفة أيضا من قبل بعض الأطراف فى منظومة الحكم / السلطة ومن قبل بعض حلفائها من طيور ظلام المرحلة ومروجى القمع والعقاب الجماعى، مقولات "انتقام وتشفى" لا شيء بها سوى كراهية الحياة والتنصل من كل القيم الأخلاقية والإنسانية والاستدعاء الفاسد لبعض مفردات الفكرة الديمقراطية. ونتيجة اصطناع مثل هذه البيئات السكانية القابلة للتطرف ولتبرير الإرهاب والعنف هى دائرة شيطانية من تآكل فاعلية مواجهة مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية لعصابات الإرهاب وشبكات العنف وإهدار القدرات الرسمية، ومن مزيد من التعويل الأحادى للمؤسسات وللأجهزة على الأدوات العسكرية والأمنية دون المزج الضرورى بينها وبين أدوات سيادة القانون والأدوات التنموية، ومن ثم المزيد من المظالم والانتهاكات.
وكما تهدر المظالم والانتهاكات طاقات المواطن والسلم الأهلى للمجتمع وموارده وتحد من قدرات الدولة الوطنية، يرتب الإجرام الإرهابى الذى يستبيح دماءنا جميعا ويسقط يوميا ضحايا من الأبرياء ــ كالمحامى الشاب أحمد سعيد فوزى غالى ضحية التفجير المجرم أمام دار القضاء العالى، وما لم يتضامن المواطن وتتضامن فعاليات المجتمع فى مواجهته وتخليصنا من شروره مع مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية ــ دون تنازل عن مطالبة منظومة الحكم / السلطة المسيطرة على مؤسسات وأجهزة الدولة بالتزام سيادة القانون وتجاوز الحلول العسكرية والأمنية الأحادية ــ إهدار كارثى لكل ما لنا فى مصر من طاقات وسلم أهلى وموارد مجتمعية وقدرات للدولة يمكن توظيفها للخروج من أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب ومتوالياتها المترابطة.
لاتناقض أبدا بين رفض المظالم والانتهاكات، وبين إدانة الإرهاب والعنف ونبذ مقولات تبريرهما الفاسدة والامتناع الكامل عن التورط فى الصمت على جرائمهما.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.