لماذا لا يراجع مجلس الدولة اتفاقيات مصر الدولية؟ - محمود فوزى عبدالبارى - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لماذا لا يراجع مجلس الدولة اتفاقيات مصر الدولية؟

نشر فى : الأحد 8 يونيو 2014 - 5:20 ص | آخر تحديث : الأحد 8 يونيو 2014 - 5:20 ص

نطرح فى هذا المقال سؤالا دستوريا حول مدى الالتزام بمراجعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى تبرمها الدولة المصرية عن طريق مجلس الدولة، ويقتضى ذلك إلقاء الضوء على مكانة الاتفاقيات الدولية فى النظام القانونى المصرى، والوقت المناسب لإجراء هذه المراجعة، والضوابط التى يمكن أن تحكم مجلس الدولة فى إجراء هذه المراجعة التشريعية.

وأهمية الإجابة عن التساؤل محل هذا المقال، هو الحرص على المشروعية الدستورية لأعمال وتصرفات الدولة المصرية، والتأكيد على مطابقتها صحيح حكم الدستور والقانون، حتى لا تفاجأ أجهزة الدولة بأن إجراء دستوريا لازما كان يتعين اتخاذه ولم ينبه أحد إلى ضرورة اتخاذ هذا الإجراء.

وتنص المادة (190) من الدستور المعدل على أن: «مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة... ويتولى وحده الإفتاء فى المسائل القانونية للجهات التى يحددها القانون، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية...».

وذكر الدستور الحالى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فى موضعين، الأول فى المادة (93)، والتى تنص على أن (تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة).

والثانى فى المادة (151) والتى تنص على أن (يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور».

الطبيعة القانونية للاتفاقية الدولية

ومكانتها فى الدستور:

تنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أن المقصود بـ«المعاهدة» هو: الاتفاق الدولى المعقود بين الدول فى صيغة مكتوبة والذى ينظمه القانون الدولى، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة؛ ويقصد بـ«التصديق» و«القبول» و «الموافقة» و«الانضمام» الإجراء الدولى المسمى كذلك، وتقر الدولة بمقتضاه على المستوى الدولى رضاها بالالتزام بالمعاهدة.

والفقه والقضاء الدوليان مستقران على أن الأساس القانونى لإلزامية الاتفاقيات الدولية هو مبدأ سلطان الإرادة بالنسبة للدول، وأن الاتفاقيات الدولية لها طبيعة اتفاقية تعاقدية رضائية فى الغالب الأعم، وتنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، على أن (كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية)، وأنه (لا يجوز لطرف فى معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلى كمبرر لإخفاقه فى تنفيذ المعاهدة).

وكان دستور 1954وما تلاه من دساتير واضحا فى بيان تلك القيمة القانونية، فالاتفاقية الدولية (لها قوة القانون) أى أنها بلا جدال فى مرتبة أدنى من الدستور، وسبق للمحكمة الدستورية العليا إبان العمل بدستور عام 1971 أن راقبت فى اكثر من مرة مدى اتفاق أحكام الاتفاقيات الدولية مع الدستور المعمول به. وقد دفع هذا الجدل السلطة التأسيسية إلى تبنى نص صريح يكشف عن هذا المعنى، فنص الدستور المعدل فى 2014 ومن قبله دستور 2012 ، فى المادة 151 المشار اليها على أنه (وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور) ،

وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قد سبق لها تفسير عبارة (قوة القانون) الواردة فى وصف القوة الملزمة للاتفاقيات الدولية، فأوردت فى فتواها للإجابة على طلب رأى بخصوص مسألة يعارض فيها قانون وطنى لاحق لحكم وارد فى اتفاقية دولية سابقة، فذكرت:

(أن نصوص الاتفاقية الدولية تعتبر نصوصا خاصة بالنسبة لنصوص القانون الوطنى، فهى خاصة فى معناها، وخاصة فى طريقة وضعها، وبالتالى فهى ليست قانونا، وإنما لها قوة القانون، وهو ما نص عليه الدستور صراحة، فلا تلغى أو تعدل إلا بذات طريقة وضعها وإلا ترتب على ذلك القول بتعديل أحكام الاتفاقيات الدولية بموجب قوانين داخلية وهو امر غير جائز، فاذا كان المستقر عليه أن العام اللاحق من القوانين لا ينسخ الخاص السابق منها، فإن النص الخاص يلزمه نص خاص مثله لتعديله، ومن ثم فلا يسوغ القول بنسخ أحكام الاتفاقية الدولية بموجب تشريع وطنى عام مراعاة لأوضاع القانون الدولى إزاء الاتفاقيات الدولية وصونا لمصداقية الدول فى علاقاتها الخارجية...)

بما مؤداه، أن الاتفاقية الدولية متى استوفت إجراءاتها الدستورية والقانونية وتم نشرها طبقا للأوضاع المقررة تكون فى مرتبة ادنى من الدستور، ومساوية للقانون، لكن لا يجوز تعديلها إلا بذات طرق وأشكال وإجراءات وضعها.

ومن اللافت للنظر ايضا، أن المشرعين فى ألمانيا، على سبيل المثال، يصدرون الاتفاقيات الدولية فى صورة قانون من البرلمان، فيفصلون بذلك بين المسئولية الداخلية والمسئولية الدولية فى شأن الاتفاقيات الدولية، وبما أن البرلمان هو من وضع هذه القواعد القانونية، فهو من يستطيع أن يعدلها. ولم يقم المشرع المصرى باتباع هذا النهج إلل مرات نادرة جدا، أشهرها أنه قام بإصدار اتفاقية حماية الطفل فى صورة قانون بعد انضمام مصر اليها.

هل الاتفاقيات من قبيل مشروعات القوانين

أم قرارات ذات صفة تشريعية؟

إذا كان الدستور نص صراحة، على أن الاتفاقية الدولية (تكون لها قوة القانون)، فهل تعتبر الاتفاقية قبل التوقيع عليها بمثابة مشروع قانون يلزم مراجعته بمجلس الدولة؟ لا نظن أن هذا تفسير سائغ. لأن لفظ (مشروعات القوانين) ينصرف طبقا لما تنص عليه الماد 122 من الدستور إلى مقترحات القوانين التى أجاز الدستور تقديمها من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ولكل عضو بمجلس النواب بحسب.

لكن يبقى من غير القابل للجدل أن الاتفاقيات الدولية تتضمن أحكاما شارعة، أى يمكن اعتبارها من القرارات ذات الصفة التشريعية، لاسيما أنها تصدر بقرار من رئيس الجمهورية، وتكون لها قوة القانون بعد استيفائها المراحل والإجراءات الدستورية، وبالتالى نرى انه يلزم من الناحية الدستورية مراجعة قسم التشريع لمجلس الدولة للاتفاقيات الدولية لكونها من القرارات ذات الصفة التشريعية التى لها قوة القانون.

قسم التشريع والتفرقة بين نوعى المعاهدات الدولية:

تضمنت المادة 151 من الدستور المعدل النص على نوعين من المعاهدات الدولية، نوع أول، وهو عموم المعاهدات الدولية التى يبرمها رئيس الجمهورية، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، ونوع ثان، يلزم دعوة الناخبين للاستفتاء عليه، وهى معاهدات الصلح، والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، بحيث لا يتم التصديق على معاهدات النوع الثانى إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.

والتفرقة بين النوعين من المعاهدات يحتاج إلى التخصص للتفرقة بينهما.

ونرى أن النص على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة القرارات ذات الصفة التشريعية يُكمل هذه الحلقة الناقصة، ويوجد آلية قانونية منضبطة للتميز بين نوعى الاتفاقيات الدولية المشار إليهما. فضلا عن أن الدستور المعدل، قد حظر إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة، وهو أمر دقيق يحتاج إلى متخصصين، ويدق فى النظر فى بعض الأحوال، وهنا تكمن أهمية مراجعة قسم التشريع للاتفاقيات الدولية فى تلك الرقابة الدستورية السابقة إن جاز التعبير.

متى يقوم قسم التشريع بمراجعة الاتفاقيات الدولية:

وعن التساؤل حول التوقيت الذى يتعين تقديم الاتفاقية فيه للمراجعة، قبل التوقيع عليها أم بعده، فالمقرر أن عقد المعاهدات يتم بطرق رسمية وقانونية تبدأ بالمفاوضات، ويليها التوقيع من قبل المندوبين المفوضين، وإبرامها من قبل رئيس الدولة. ثم تبادل وثائق الإبرام الذى يضفى عليها الصفة التنفيذية بعد إقرارها من السلطة التشريعية. لهذا فالرأى لدينا أنه لفاعلية إجراء المراجعة ولتحقيق الغاية منها، يتعين أن تكون قبل التوقيع عليها وقرب التفاوض النهائى حول أوضاعها.

والخلاصة: أن المعاهدات الدولية فى النظام القانونى المصرى واجبة الاحترام كأداة تشريعية ادنى من الدستور، ولها قوة مساوية للقانون، وبالتالى يلزم قبل التوقيع عليها مراجعتها فى مجلس الدولة بصفتها من القرارات ذات الصفة التشريعية، لبيان مدى مطابقتها للدستور وصياغة وضبط عباراتها والتنبيه إلى مواضع التعارض بينها وبين غيرها من الاتفاقيات، فضلا عن التنبيه الى استيفاء الإجراءات الدستورية الأخرى بحسب نوع المعاهدة.

ويبقى على مجلس الدولة فى النهاية اثناء قيامه بهذه المهمة ان يحافظ على المسافة بين ما هو قانونى وما هو سياسى اثناء تصديه للمراجعة التشريعية للاتفاقيات الدولية فيحافظ على عدم تدخله فى تقدير الملاءمات السياسية وتكون حدود مراجعته لها الدستور والقانون.

محمود فوزى عبدالبارى مستشار فى قسم التشريع بمجلس الدولة
التعليقات