نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حافظ البرغوثى تناول فيه الصراع بين الأحزاب العلمانية والمتدينة فى إسرائيل وخطر صعود الأحزاب المتدينة على إسرائيل..
أدى الخلاف بين اليهود العلمانيين من اليمين القومى واليهود المتدينين المتعصبين، أو ما يسمى بـ«الحريديم» فى الأحزاب «الإسرائيلية» إلى فشل تشكيل حكومة جديدة والتوجه إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى فى شهر سبتمبر المقبل. ومن ضمن أسباب الفشل تمسك حزب أفيجدور ليبرمان بمشروع قانون تجنيد الشبان المتدينين من طلاب المدارس والمعاهد الدينية، حيث جرت العادة على إعفاء هؤلاء من الخدمة العسكرية، لأنهم متفرغون للدراسات الدينية فقط، ولا يتعلمون مواد أخرى كالعلوم والرياضيات بعد الصف الثامن باعتبارها تخص الأمور الدنيوية، كما لا يدرسون فى الجامعات العلمية أبدا، ويعيشون على معونات حكومية باتت تثقل الخزينة الاحتلالية.
وبات الحريديم أو المتدينون يشكلون نسبة أكثر من 15 فى المائة من اليهود، لكنهم لا يندمجون فى العمل، لأنهم لا يدرسون لغات. وإذا علمنا أن معدل الإنجاب لدى أى امرأة حريدية متدينة هو سبعة أطفال، فإن نصف المجتمع «الإسرائيلى» بعد عقود سيكون من الحريديم، أى نصف مجتمع لا يعمل، وإنما يدرس كتبا دينية فقط.
وقد ضاعف نتنياهو مخصصات المؤسسات التابعة للمتدينين خلال فترة حكمه، لتصل إلى نصف مليار دولار، وكان متوقعا أن يزيدها فى مشاوراته الأخيرة، ليكسب تأييد 15 مقعدا للمتدينين فى الكنيست، إضافة إلى مقاعد اتحاد أحزاب اليمين المتعصب، وله خمسة مقاعد، وهو حزب قومى متدين له برامج سياسية استيطانية، بينما الأحزاب المتدينة مثل شاس والتوراة لا تنغمس فى السياسة، وتمتنع عن الخوض فى نقاشات سياسة، وإذا عرض أى مشروع سياسى، فإن أعضاءها يغادرون الجلسة، لكنهم يؤيدون كل مشاريع الاستيطان وما شابه. ويقيم قادة اتحاد أحزاب اليمين فى المستوطنات، وهم دعاة الاستيطان وطرد الفلسطينيين، بل وقتلهم. وطالبوا بعد أن لمسوا قوة أحزاب اليمين والأحزاب الدينية بتطبيق الشريعة اليهودية التوراتية. ومن أجل هذا اشترط رئيس الحزب بتسالئيل سموتريتش تولى حزبه حقيبتى التربية والقضاء لتغيير المفاهيم القانونية والتربوية بما ينسجم مع التوراة. وقال فى مقابلة صحفية: إن «إسرائيل ستعود لتدار كما كانت فى أيام الملك داود والملك سليمان، بموجب التوراة.. هكذا يجب أن تكون، وهذه دولة يهودية».
وبحسبه، فإنه «يجب أن تسرى قوانين التوراة بما يتناسب مع هذه الأيام وهذا الاقتصاد وحياة المجتمع فى عام 2019»، مضيفا أنه «ربما تكون هناك جوانب جيدة فى طريقة القضاء الإسرائيلى، بحيث يمكن أن يبقى قسم كبير منها فى القضاء التوراتى».
وأثارت تصريحات سموتريتش جملة من ردود الفعل، حيث كتب نتنياهو، فى تغريدة على «تويتر»: إن «دولة إسرائيل لن تكون دولة شريعة يهودية».
أما عضوة الكنيست شيلى يحيموفيتش (حزب العمل)، فقد أشارت إلى أن تصريحات سموتريتش تعنى عودة العبودية والرجم. وكان كبار رجال الدين من كتلة اتحاد أحزاب اليمين قد دعوا علنا إلى استعباد الفلسطينيين كخدم لأسباب عرقية، وامتدحوا نظرية هتلر فى التفوق العرقى للآريين، لكنهم قالوا: إنه اختار الجانب الخطأ بمعاداته لليهود.
ووفقا للبروفيسور الباحث دان بن دافيد، فإنه «لا يوجد فى العالم المتطور دولة واحدة، باستثناء إسرائيل، تسمح بخرق كهذا لمطلبها بالتعليم الإلزامى. وإذا كان الواقع السياسى الحالى يطرح إمكانات قليلة للتغيير، فإنه بالإمكان أن نتخيل وحسب إلى أى مدى إمكانات التغيير مقلصة، عندما يتحول أولاد اليوم إلى بالغين. وإذا كان هذا ليس كافيا، فإن التوقعات الديمغرافية لمكتب الإحصاء المركزى هى أنه فى غضون جيلين فقط سيشكل الحريديم نصف الأولاد».
وحذر الباحث من تبعات اقتصادية: «إذا لم يتعلم الأولاد المتدينون مواضيع ضرورية، فمن سيكون الطبيب المعالج فى المستقبل؟ ومن سيكون المهندس الذى سيصون الاقتصاد العصرى؟ وهذا عدا الحديث عن مسألة من أين ستأتى الموارد المالية للاهتمام بالمجموعة السكانية الفقيرة الآخذة بالاتساع باستمرار، ولا تعمل إلا بنسبة قليلة».
يبدو أن الانتخابات المقبلة ستشهد صراعا بين العلمانيين والمتدينين، لكن الملاحظ أن الأحزاب الدينية فى كل مكان تتصف بأن أتباعها يلتزمون التصويت بناء على أوامر كبار رجال الدين، وترتفع نسبة التصويت بينهم إلى ما فوق الثمانين فى المائة، ويركزون على الاستحواذ على حقائب التربية لتغيير المناهج المدرسية، وبث أفكارهم، ووزارة القضاء للجم القوانين التى تتعارض مع تفسيراتهم الدينية، وهو ما يسمى بالتمكين.
فالمعركة الانتخابية «الإسرائيلية» المقبلة لن تكون بين وسط ويسار ويمين، بل أيضا بين علمانى ودينى، وقد أعطى «قانون القومية» الذى أقره الكنيست السابق دفعة قوية للأحزاب الدينية، لأنه نص على يهودية دولة «إسرائيل».
الخليج ــ الإمارات