مصر: سياسة غازية للاكتفاء الذاتى والتصدير - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر: سياسة غازية للاكتفاء الذاتى والتصدير

نشر فى : الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 11:40 م | آخر تحديث : الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 11:40 م

نشر موقع جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب العراقى «وليد خدورى» المتخصص فى شئون الطاقة يتناول فيه السياسات التى تتبعها مصر فى قضية «الغاز» والتحديات التى تواجهها داخليا وخارجيا.
تهدف مصر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز عام 2019 مع الارتفاع الكبير والسريع للإنتاج من حقل «ظهر». وعانى قطاع الغاز المصرى فترة عصيبة مع ازدياد الاستهلاك المحلى للغاز بمعدلات عالية نسبيا تبلغ نحو 5 فى المائة سنويا، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تصديرية، منها أنبوب الغاز العربى لتصدير الغاز إلى الأردن وسوريا.
وكان يُفترض أن يمتد الخط عبر تركيا ويصل إلى شبكة الغاز الأوروبية فى النمسا، ولكن توقف العمل بالمشروع فى سوريا بسبب الحرب. وتم تشييد خط أنابيب «العريش ــ عسقلان» لتصدير الغاز إلى إسرائيل، ولكن مصر أوقفت التصدير عام 2012، كما تم تشييد مصنعين للغاز المسال على الساحل الشمالى، وتوقف العمل بهما عام 2012 أيضا.
وواجهت مصر تحديات عديدة، منها قيمة دعم الغاز المستهلك محليا، وتأخر الحكومة فى دفع مستحقات شركات النفط، ما أدى إلى تأخر عملياتها وتأخر زيادة الإنتاج، ما خلق عجزا فى الإمدادات. وتفاقمت الأمور بعد الاضطرابات السياسية عام 2011، فأوقفت كل الصادرات منذ العام 2012، على رغم أن الصادرات الغازية تشكل نحو 5 فى المائة فقط من الإمدادات، واضطرت مصر، الدولة المصدرة للغاز، إلى استيراده عام 2015، بعدما عانت انقطاعات مستمرة فى الكهرباء. ويغذى الغاز نحو 85 فى المائة من محطات الكهرباء، ويعتبر الوقود المفضل فى مصانع الصناعات الثقيلة، ويُستخدم فى الاستهلاك المنزلى وبعض وسائل النقل. وأدى العجز المفاجئ إلى تبنى السلطات سياسات لتعويض النقص فى الإمدادات من خلال الشراء من السوق الفورية، وتوقيع عقود قصيرة الأجل، إضافة إلى التأجير المؤقت لبواخر المحطات الكهربائية للاستفادة منها فى التغذية أثناء فترات ذروة الاستهلاك.
ويضيف الكاتب أن تغير ميزان سوق الغاز المصرية مع اكتشاف حقل «ظهر» من قبل شركة «إينى» الإيطالية فى أغسطس 2015، ما أنقذ مصر، مرحليا، من عجز الطاقة، خصوصا بعدما زادت اكتشافات الغاز وتوسع الاعتماد عليه كوقود محلى ونظيف بدلا من النفط الذى بقيت احتياطاته المحلية محدودة. وأعطت السلطات البترولية و«إينى» الأولوية لتطوير الحقل بسرعة قصوى، وبدأ الإنتاج فى ديسمبر 2017، وبلغت كلفة تطويره حتى الآن 7.7 بليون دولار. وتم تحديد هدفين رئيسيين، الأول ضمانة إنتاج إمدادات كافية سريعا لتلبية الاستهلاك المحلى لتحقيق الاكتفاء الذاتى ووقف الاستيراد، والثانى تحويل مصر إلى دولة محورية للغاز فى شرق المتوسط.
وارتفع معدل إنتاج «ظهر» حاليا إلى نحو بليونى قدم مكعبة، وتعتبر هذه الإمدادات كافية للبدء بتنفيذ الهدفين المذكورين. ولكن المشكلة تتمثل فى الارتفاع السنوى العالى لعدد السكان، ما يعنى زيادة استهلاك الغاز نحو 5 فى المائة سنويا، خصوصا مع ارتفاع مستوى المعيشة. وبسبب هذه الزيادات والنمو الصناعى، ستحتاج مصر إلى اكتشافات ضخمة باستمرار كل 3 سنوات تقريبا للتأكد من استمرار الاكتفاء الذاتى، وهذا ليس سهلا. وتعمل السلطات البترولية على طرح بلوكات جديدة سنويا لاستثمارها من قبل الشركات الدولية، ويتوقع أن يساهم «ظهر» والحقول المكتشفة والمطورة حتى الآن بإمدادات غازية كافية لتحقيق التوازن المطلوب حتى منتصف العقد المقبل.
ويبقى الهدف الثانى الذى تحاول مصر تحقيقه، وهو البعد الاستراتيجى لصناعة الغاز فى شرق المتوسط، من خلال الاستيراد من دول مجاورة لإعادة تصدير الغاز من منشآت التسييل المصرية لكى تحقق الأرباح التجارية المتوقعة والالتزام بعقود التصدير. وبذلك، خلقت مصر جدارا منفصلا بين الغاز للاكتفاء الذاتى المحلى وبين التزاماتها للتصدير.
واتفقت شركة «دولفينوس» المصرية الخاصة مع شركة «نوبل إينرجى» الأمريكية و«ديليك» الإسرائيلية العاملتين فى حقلى «لفيثان» و«تامار» الإسرائيليين لاستيراد نحو 64 بليون متر مكعب من الغاز سنويا من هذين الحقلين لمدة 10 سنوات بقيمة 15 بليون دولار. وسيتم نقل جزء من هذا الغاز عبر أنبوب «العريش ــ عسقلان» الذى كان يصدر الغاز المصرى إلى إسرائيل عبر عكس انسياب الغاز. وعلى رغم توقيع العقود بين شركات خاصة، نظرا إلى أهميتها الاستراتيجية والصناعية، حصلت على دعم وموافقات الحكومتين المصرية والإسرائيلية، كما اتفقت الحكومتان المصرية والقبرصية على تصدير الغاز من حقل «أوفردابت» القبرصى إلى مصر عبر خط أنابيب مستقل لتغذية مصنعى تسييل الغاز.
ويعتبر استيراد الغاز من دول مجاورة وتحويله إلى غاز مسال للتصدير، عملية فريدة من نوعها، وقلما يتم اتباعها فى صناعة الغاز العالمية، اذ تحبذ الدول المصدرة الاستحواذ الكامل على عملية التصدير وعدم الاعتماد على دول مجاورة لتفادى خلافات مستقبلية محتملة قد تؤدى إلى عرقلة الصادرات. واعتماد هذه السياسة فى شرق المتوسط يعود إلى أسباب عديدة، منها المحاولات الأمريكية الدءوبة منذ سنوات لتبنى سياسة الاعتماد المتبادل بين الدول المصدرة للغاز فى شرق المتوسط، هدفها تعميق وتوطيد التطبيع بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، خصوصا تلك التى وقعت معاهدات سلام، ولربما غيرها مستقبلا.
ومما يساعد على تنفيذ سياسة الاعتماد المتبادل هو توافر الحاجة الاقتصادية لها، فمصر بحاجة إلى الغاز للتصدير وتحقيق الأرباح من مصانع التسييل الباهظة الكلفة والمتوقفة عن العمل، كما يحتاج الأردن إلى الغاز لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع. ولم تستطع إسرائيل وقبرص حتى الآن الحصول على اتفاقات للتصدير، كما أن احتياطات كل منهما محدودة وكافية للاستهلاك المحلى، ولكن ليس لتحمل نفقات ضخمة لتشييد محطات تسييل أو بناء خطوط أنابيب طويلة الأمد عبر البحار إلى أوروبا. فهذه المشاريع تتطلب إمدادات ضخمة لتغطى نفقات التشييد، وهى غير متوافرة حتى الآن، كما أن قبرص لم تنفذ مشروعها لتشييد مصنع لتسييل الغاز، ولم تنفذ إسرائيل مشروع مد خط أنابيب بحرية إلى أوروبا.
وتطورت فكرة الاعتماد المتبادل على ضوء هذه المعطيات، فبدلا من التركيز على التصدير إلى أوروبا، تغيرت السياسة وتحول الاهتمام إلى التصدير إقليميا. وساهم هذا التحول فى الحصول على عقود بيع وشراء التى شكلت الضمانات اللازمة للمصارف العالمية للاقتراض لتطوير الحقول الإسرائيلية، ومن ثم تصدير الغاز عبر منشآت تسييل مصرية.

الحياة ــ لندن

التعليقات