يترأس مسلسل «البحث عن علا» قائمة المواضيع الأكثر نقاشا على بعض وسائل التواصل الاجتماعى هذا الأسبوع. فالمسلسل يثير أسئلة ويفتح باب النقاش حول التحديات التى تواجهها السيدات أثناء مرحلة الطلاق وفى المرحلة التى تليها مباشرة. وتنقسم الآراء بشكل حاد حول أمور من السهل التنبؤ بها كالموقف من خيارات «علا» الشخصية وارتيادها لأماكن السهر وموقفها من الرجال والتعرف على شركاء محتملين من خلال تطبيقات خاصة، كما تنقسم الآراء حول واقعية الطلاق الودى نوعا ما الذى يعرضه المسلسل، وتفهم الزوج السابق وتعاونه وسخاؤه. كما تنقسم الآراء حول ما إذا علا فعلا نموذج للمرأة المصرية المعاصرة، فبين من يرون أنفسهن فى شخصية علا البطلة من حيث طريقة الحياة والقدرة المادية على الإنفاق على حياة من الطراز «العولمى» (من العولمة)، وبين من يتساءلن عن عدد الـ«علايات» فى بلد المائة مليون.
• • •
حين أنظر حولى، تبدو لى الـ«علا» فى مصر أو غيرها من الدول العربية عموما امرأة تواجه ضغوطات مهولة خلال عملية الطلاق، إذ لا أسمع عادة عن طلاقات سلسة ولا عن أزواج سابقين متساهلين مع مصاريف المطلقة والأولاد ولا مع سهولة حركتهم. نادرا ما أسمع عن سيدات تخلصن من قصص ما حول الطلاق بسهولة. حتى فى أكثر الدوائر انفتاحا من حولى، ما زال يغلف الطلاق عموما الكثير من الرجعية، بما فى ذلك من عائلة السيدة المطلقة.
• • •
برأيى نموذج «علا» قليل وليس متكررا. أعرف نموذجين أو ثلاثة لصديقات مقربات عاصرت عملية انفصالهن عن أزواجهن وشهدت أنهن وقفن بصلابة أمام ضغط عائلاتهن وأحطن أولادهن بنوع من الرعاية والحكمة جنب الأطفال آثار التعرض لما قد يصدمهم من مهاترات. لكن وبقرارهن هذا، جنبت صديقاتى أنفسهن أيضا فرصة حصولهن على حقوقهن من نفقة ومساعدة من أزواجهن السابقين، متبعات مقولة «تجنب الخير والشر» من الأزواج.
• • •
«علا» شخصية قد يحبها بعضنا وقد لا يستسيغها بعضنا الآخر. هى تمثل شريحة من النساء الميسورات ماديا واجتماعيا إلى حد كبير برغم محاولات والدتها المستمرة أن تبقيها فى قالب «الابنة المؤدبة». لذا ففى ما تابعته على شبكات التواصل الاجتماعى من استقطاب كبير فى مراجعة شخصية «علا» والتساؤل عما إن كانت تمثل النساء العربيات اليوم، فهى برأيى تمثل جزءا منهن ابتدين مشوارهن أو سباق الحياة خاصتهن أصلا وهن متقدمات عن أخريات كثيرات، بمعنى أن «علا» هى سيدة أصلا متمكنة ومتمتعة بحيز كبير من الحرية وإمكانية صنع القرار والحركة. هى نموذج من النساء قادرات بشكل كبير أن يعدن بناء حياتهن بعد الطلاق بنوع من السهولة رغم تصوير المسلسل للمشاهد بعض الصعوبات.
• • •
أنا لا أعرف الكثير من «العلايات» على فكرة. ورغم الجانب الترفيهى للمسلسل إلا أننى لم أتمكن من تعداد أكثر من أربع أو خمس «علايات» من حولى كان اكتشافهن لأنفسهن أثناء الطلاق مسألة سلسة كتلك التى صورها لى المسلسل. أعرف الكثير من الصديقات ممن مررن بتجارب انفصال وطلاق متعسرة رغم انتمائهن إلى طبقات ينظر إليها على أنها منفتحة. يبدو أن الانفتاح الاجتماعى والثقافى ــ المجتمعى كثيرا ما يتوقف أمام مسائل الطلاق، حيث تتمسك العائلات والمحاكم والشرع فجأة بأكثر الضوابط تقليدية وصرامة ورجعية. نعم هى ضوابط رجعية لم تعد تحكم حياة اليوم سواء فى المجتمعات التقليدية أو فى المجتمعات الأكثر ارتياحا مع الحياة المعاصرة.
• • •
فى الحالتين فقد عفا الدهر عن الطلاق كما رسخته الأديان (التى سمحت به) أو كما أطره المجتمع أو بالأحرى حنطه. وعفا الدهر عن ازدواجية القبول بتصرفات يقوم بها الزوج السابق (أو الحالى على فكرة) وعدم تقبلها بل ومحاربتها فى حال تفكير الزوجة السابقة فيها.
• • •
يطول النقاش حول ما يحق للرجل ولا يحق للمرأة، وحول ضوابط تفرض على المرأة وقد يفقدها عدم التزامها بها حياتها، وحول عدم التزام الرجل بها كحق لا نقاش فيه. يطول ويحتدم النقاش حول نظرة الأديان للأدوار فى العائلة والمجتمع. لا يخلق النقاش انقسامات وخطوط دينية واجتماعية وعمرية فحسب، بل قد تنتج عنه ائتلافات غير متوقعة، كأن يدافع بعض من يصفون أنفسهم بـ«العصريين» عن قواعد مجتمعية بالية، وقد يتبنى بعض من ينظر إليهم على أنهم تقليديون ومحافظون الدفاع عن حق المطلقة بالإنصاف بحسب معايير حديثة تناسب دور المرأة فى المجتمع اليوم، وهو دور فرضه الواقع الاقتصادى حتى فى المجتمعات المحافظة، فخرجت المرأة إلى العمل وبنت لنفسها تجربة مهنية كالرجل تماما سواء بخيارها وهى مدفوعة بإيمانها أنه حق، أو مجبرة بسبب الوضع الاقتصادى وحاجة أسرتها إلى الدخل.
• • •
«البحث عن علا» فتح نقاشات عن «علايات» كثيرات، وخلق مساحة لمقارنة عابرة للأجيال فقد برع المسلسل فى تصوير ثلاثة أجيال من النساء حتى لو أنه «حشرهن» فى طبقة واحدة مقتدرة قد تحررت أصلا من قيود كثيرة بفضل توفر المادة والمال. فتح المسلسل، ورغم اعتماده على صور نمطية تقترب من الكاريكاتور فى كثير من المواقف، العيون على انتشار ظواهر كثيرة اليوم لم يعد من الممكن تجاهلها. ما زال البحث عن «علايات» كثيرات جاريا، والمسلسل، برغم سطحيته وخفة حواراته، إلا أنه مناسبة لنقاشات يجب أن نستمر فى خوضها.