النسوية فى منطقتنا العربية ليست ترفا - شيماء الشرقاوي - بوابة الشروق
الإثنين 10 فبراير 2025 7:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

النسوية فى منطقتنا العربية ليست ترفا

نشر فى : الأحد 9 فبراير 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الأحد 9 فبراير 2025 - 7:10 م

فى عام 2024 لم تحقق أى دولة حول العالم المساواة بين الجنسين؟ بل إن وضع المرأة قد تدهور فى 18 دولة، مثل فنزويلا وأفغانستان. وبالمعدل الحالى، سيستغرق الأمر 131 عامًا أخرى لتحقيق المساواة بين الجنسين فى جميع أنحاء العالم.

إن المرأة اليوم تتمتع بأقل من ثلثى الحقوق القانونية المتاحة للرجل، وأن فجوة الأجور بين الجنسين تبلغ 20% على مستوى العالم، وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية لعام 2022؟

إن تقديرات برنامج الغذاء العالمى تشير إلى أن 60% من الأشخاص الذين يعانون من الجوع المزمن حول العالم هم من النساء والفتيات، بينما تقل نسبة النساء المالكات للأراضى عن 20% على مستوى العالم؟

بحلول نهاية عام 2021، تم تهجير حوالى 44 مليون امرأة وفتاة قسرًا، سواء بسبب تغير المناخ، أو الحروب، أو الصراعات، أو انتهاكات حقوق الإنسان – وهو مستوى قياسى؟

ومع كل ذلك، لا يزال هناك من يتساءلن ويتساءلون حول جدوى المقاربات الجندرية فى التعامل مع القضايا المختلفة.

•  •  •

فى منطقتنا العربية على وجه الخصوص، لا تزال الأرقام والمؤشرات تشير إلى وضعية صارخة من اللامساواة فى حق المرأة العربية. على سبيل المثال، فى عام 2022، بلغ معدل مشاركة المرأة فى القوى العاملة 19.8%، أى أقل من نصف المتوسط العالمى البالغ 47.9%. وفى المقابل، بلغ معدل مشاركة الرجل فى القوى العاملة 70.3%. كما بلغ معدل بطالة المرأة 19.9% فى عام 2022، وهو ما يتجاوز بثلاثة أضعاف ونصف المتوسط العالمى البالغ 5.8%. بالإضافة إلى ذلك، تؤدى المرأة بين 80% و90% من مجمل مهام الرعاية غير مدفوعة الأجر، حيث تقضى فى المتوسط خمسة أضعاف الوقت الذى يقضيه الرجل فى أداء هذه المهام. كذلك شغلت المرأة 18.2% فقط من المقاعد البرلمانية فى المنطقة خلال عام 2022.

«النسوية هى رجل أو امرأة يقولان: نعم، هناك مشكلة تتعلق بالجندر اليوم ويجب علينا إصلاحها، ويجب أن نبذل قصارى جهدنا…».

الاقتباس السابق من كتاب للكاتبة والروائية والناشطة النيجيرية تشيماماندا نيجوزى آديتشى، صادر عن دار نشر فينتاج (Vintage) عام 2017 تحت عنوان «عزيزتى إيجياويلى، أو بيان نسوى فى خمسة عشر مقترحًا». فى هذا الكتاب، تكتب آديتشى خطابًا مطولًا لصديقتها التى رُزقت بطفلة حديثًا، حول كيفية تربية ابنتها تربية نسوية. وأول ما تؤكد عليه هو أهمية الاعتراف بوجود مشكلة تتعلق بالمرأة وحقوقها.

«كونى إنسانة كاملة، فالأمومة هبة عظيمة، ولكن لا تحصرى نفسك فى الأمومة فقط».

•  •  •

أحد أهم التحديات التى تواجه المرأة فى منطقتنا العربية هو حصر حقوقها فى دورها كأم، خصوصًا ما يرتبط ببرامج الحماية الاجتماعية. إن اختزال المرأة فى دورها المرتبط بالأمومة فقط يترتب عليه العديد من التبعات، من أهمها عدم اعتراف القوانين ونظم الحماية الاجتماعية بأهمية دعم النساء اللائى لم يصبحن أمهات، وقصر الدعم على مخصصات الأمومة والطفولة. هذا الافتراض الخاطئ يحرم العديد من النساء من حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، ويؤثر سلبا على الاعتراف بهن فى المجتمع وتمكينهن.

فى الوقت ذاته، لا يمكننا إغفال محورية دور الأب فى عملية التربية، حيث لا يوجد ما لا يمكن للأب القيام به سوى الوظائف الفسيولوجية مثل الرضاعة. ويتماشى ذلك مع أهمية الاعتراف بدور الآباء فى حياة أطفالهم منذ اللحظات الأولى، وهو ما أدى إلى لجوء بعض الدول إلى منح إجازة أبوة إلزامية للآباء مشابهة لإجازة الأمومة. هذه الخطوة تعزز من أدوار الآباء، وكذلك تمنح المرأة مساحة أوسع للمشاركة فى المجتمع.

«علّمى ابنتك أن فكرة «الأدوار الجندرية» هى مجرد لغو. لا تخبريها أبدًا بأنها يجب أن تفعل شيئًا ما أو لا تفعله لأنها فتاة».

الأدوار الجندرية لا علاقة لها بالصفات الفسيولوجية التى تميز المرأة عن الرجل، ولكنها أدوار تتحدد طبقا للثقافة والمجتمع. فى منطقتنا العربية، يقع العبء الأكبر من الأدوار الرعائية، وتحديدًا الأدوار المرتبطة بالعمل المنزلى، على المرأة وحدها. حتى فى أشد وأحلك أوقات الأزمات، تتحمل المرأة هذه الأدوار وحدها دون الرجل. بل والأكثر أنه فى أوقات الحروب – كما نرى فى حالتى السودان وفلسطين – تتحمل المرأة الأدوار الرعائية بالإضافة إلى تحملها أدوار إعالة الأسرة وحمايتها.

يوفر منظور النوع الاجتماعى، الذى يعكس الأدوار والعلاقات الاجتماعية المحددة اجتماعيا بين المرأة والرجل، أداة فعالة لفهم علاقات القوى بين الجنسين. كما يساعد فى تحليل البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التى تشكّل عوائق تحدّ من وصول المرأة إلى حقوقها وتمتعها بها بشكل كامل.

•  •  •

«احذرى من خطر ما أسميه (النسوية المخففة) وهى فكرة المساواة المشروطة بين النساء. أرجوكِ ارفضى هذه الفكرة رفضًا قاطعًا».

هذا الاقتراح من آديتشى له العديد من الأبعاد، وربما البعد الأهم هو رفض تلك النسخة من النسوية التى لا تساوى بين كل النساء. على سبيل المثال، النسوية النيوليبرالية السائدة حاليا تتجاهل شريحة واسعة من النساء، خصوصًا فى مناطق النزاعات والحروب. وتُركّز كذلك على تمكين المرأة فى مواقع النخبة المالية والسياسية داخل الشركات والأحزاب الكبرى، وتُهمل واقع ملايين النساء اللاتى يعانين من الفقر والتهميش وهذا التجاهل واضح فى الخطاب النسوى الغربى الذى غالبًا ما يتفاعل بقوة مع قضايا محددة، بينما يلتزم الصمت – الذى يقترب من التواطؤ – تجاه الجرائم التى تتعرض لها النساء فى السودان وغزة. وهنا اسمحوا لى عزيزاتى القارئات وأعزاءى القراء أن أقترح عليكن /م الاطلاع على أحدث إصدارات منتدى البدائل العربى للدراسات فى بيروت، التى يقدم أحدها قراءة جندرية فى وضعية النساء فى الحرب فى السودان، ويقدم الآخر رؤية لتحقيق حماية اجتماعية فى منطقتنا العربية من منظور النوع الاجتماعى.

لذا،  فحتى تحقق النسوية ومقاربات النوع الاجتماعى المساواة الحقيقية والتمكين الفعلى للمرأة، يجب أن تتسم بالشمولية والتقاطعية. حيث لا يكفى توفير فقط جزء من الحقوق للمرأة – وإن كان توفيرها خطوة هامة ومحورية – بل يجب أن يُترجم تمكين المرأة إلى تغييرات جذرية تشمل الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية. كذلك، لا يمكن تجاهل حقوق ملايين النساء حول العالم ممن يتم اضطهادهن بسبب العرق، الدين، أو اللون، واللواتى يتحملن أعباء مضاعفة فى مجتمع عالمى غير عادل. 

شيماء الشرقاوي باحثة بمنتدى البدائل العربي
التعليقات