يفرض قتل مصريين خارج القانون مساءلة ومحاسبة الأجهزة الأمنية والرسمية المتورطة به.
منذ أيام قليلة، قتل مواطنين بزعم كونهم أفراد عصابة لخطف الأجانب، وبادعاء العثور على جواز سفر الباحث الإيطالى القتيل جوليو ريجينى وبعض متعلقاته الشخصية بحوزتهم على نحو يربط بينهم وبين جريمة تعذيبه وقتله. ثم سرعان ما تراجعت الأجهزة الأمنية عن «رواية العصابة المسئولة عن قتل ريجينى» بفعل ضغوط خارجية (مارستها الحكومة الإيطالية وحكومات أخرى)، غير أن أمر المصريين الذين قتلوا خارج القانون تم تجاهله تماما.
إذا كانت الأجهزة الأمنية والرسمية، ومن ورائها حكومة البلاد، تعتبر أن قتل المصريين خارج القانون «ممارسة طبيعية» مثلما تنظر إلى انتهاك حقوق وحريات الناس حبسا وتعذيبا وتعقبا وتنصتا واغتيالا معنويا «كاختصاص أصيل» لها؛ فإن واجب كل مصرى يبحث عن وطن عادل أن يواجه جدار الصمت المفروض على قتل المواطنين خارج القانون وأن يطالب بمساءلة ومحاسبة المتورطين فيه دون استثناء وأن يضغط بسلمية لكى لا تتواصل استباحة دماء الناس.
يفرض تعذيب مصريين فى أماكن الاحتجاز الشرطية وأماكن الاحتجاز الأخرى وتعريضهم لجريمة الاختفاء القسرى مساءلة ومحاسبة الأجهزة الأمنية والرسمية المتورطة به.
وثقت بعض المنظمات الحقوقية الوطنية، كمركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب الذى أعلنت السلطات المصرية أخيرا إغلاقه، الكثير من جرائم التعذيب وحالات المعاملة غير الإنسانية فى أماكن الاحتجاز. واعتمد التوثيق إما على شهادات الضحايا أو شهادات الحقوقيين المتولين لقضاياهم أو شهادات شخصية لذويهم، واعتمد أيضا على تكرر ثبوت قتل مواطنين بفعل التعذيب خلال الفترة الماضية.
من جهة أخرى، تعاونت المنظمات الحقوقية مع المشاركين فى حملات التضامن مع المظلومين ومع ضحايا الانتهاكات فى توثيق جريمة الاختفاء القسرى وتحديد أسماء بعض من تعرضوا لها ونشر المتاح من حقائق ومعلومات على الرأى العام.
ولم تتعامل الأجهزة الأمنية والرسمية، ومن ورائها حكومة البلاد، مع جرائم التعذيب والاختفاء القسرى وغيرها سوى بصمت وتجاهل وإنكار وقمع للمنظمات الحقوقية ومبادرات التضامن مع الضحايا. لذا، يصبح واجب المصريات والمصريين الذين يبحثون عن وطن عادل أن يكشفوا زيف جدر الصمت والإنكار الحكومية وأن يطالبوا علنا وبصوت عال بمساءلة ومحاسبة المتورطين فى التعذيب والجرائم الأخرى.
لم تبدأ جرائم القتل خارج القانون والتعذيب والاختفاء القسرى مع الإيطالى جوليو ريجينى، ولم تقتصر عليه. الضحايا فى المقام الأول هم مصريات ومصريون، وجدر الصمت والإنكار شيدت لتغييب الحقائق والمعلومات عن الشعب المصرى. والمطالبة بالكشف عن المتورطين فى الجرائم والانتهاكات لا تقتصر على المطالبة المشروعة لأسرة ريجينى والتى أتضامن معها دون انتقاص، بل تتجاوزها إلى المطالبة دون تمييز بالكشف عن قتلة المصريين ومن يعرضونهم للتعذيب والاختفاء القسرى.
دماء وكرامة وحقوق وحريات أهلنا ليست رخيصة.