إن لم تصمتوا جميعا، إن لم تتوقفوا عن العمل الحقوقى المستقل وعن توثيق وكشف الانتهاكات والدفاع عن الضحايا دون معايير مزدوجة والانتصار لقيم المساءلة والمحاسبة، إن لم تقبلوا تهجير المواطن الباحث عن المعلومة والحقيقة وصاحب الرأى الحر بعيدا عن المجال العام وتتركوا سياقاته ومساحاته لنا ولمنتجى هيستيريا الرأى الواحد والعقاب الجماعى لكل المختلفين والمعارضين ولمبررى حكم الفرد والسلطوية الجديدة؛ فالتعقب ينتظركم، والتهديد بالقمع حاضر دوما، والقدرة على تنفيذ الإجراءات القمعية أسرع مما تتصورون، وممارسة العنف بأدوات قانونية وإدارية لا حدود قصوى لها، وضمانات الحقوق والحريات فى الدستور والقوانين معطلة وستظل كذلك حتى نخلى مصر منكم طوعا أو كرها.
الإنهاك والإحباط والحزن يغفل انصراف الناس عنكم هى ما ستواجهونه يوميا على وقع الانتهاكات المتكررة، على وقع استنزافكم المستمر فى معرفة مصائر المختفين وسبل مساعدة المحبوسين احتياطيا وحماية الضحايا والتضامن معهم ومع ذويهم، على وقع حصاركم ثم تجريدكم من كل قيمة أخلاقية وإنسانية ووطنية بنشر مقولات التخوين الزائفة، على وقع سيطرة مكارثيتنا على المجال العام وتشويه وعى الناس من خلال ضجيج منتجى الهيستيريا ومبررى حكم الفرد، على وقع نجاحنا المعتاد فى استقطاب نفر ممن كانوا يوما فى صفوفكم وبين أوساطكم للدفاع المستميت عنا فى الداخل والخارج وإلا غابت عنهم «العوائد» وفقدوا«الحماية» التى لا نمنحها إلا عند قبول الاستتباع.
فى خوف ستعيشون وتعملون وتحاولون إدارة حياتكم اليومية وترابطاتها الأسرية والمهنية، سنخضعكم لسطوة الخوف فى كل لحظة ــ الخوف من كلمة الحق والخوف من التعبير الحر عن الرأى والخوف من التحرك المستقل، ستعرفون المعنى الفعلى للرقابة الذاتية على ما تقولون وتكتبون وتفعلون فى ظل سلطويتنا الحاكمة، ستكتسبون «مهارات جديدة» لم تكن لكم من قبل كالحديث فى العموميات والكتابة غير المباشرة والمتحلقة حول تراكيب لغوية غير واضحة والامتناع عن استخدام مفاهيم دقيقة لتوصيف الانتهاكات والتورط فى التأويلات الرمادية لجرائم التعذيب والإخفاء القسرى والاحتجاز والتعقب وغيرها، سيبحث بعضكم عن مقاومة سطوة الخوف ومقاومة خطر الرقابة الذاتية غير أن الإنهاك والإحباط وانصراف الناس عنكم لن يسمح إلا للقليل القليل منكم بمقاومة طويلة المدى، وهؤلاء مآلهم التعرض لضغوط متصاعدة حتى يصمتوا فى الداخل أو نخلى مصر منهم بإبعادهم إلى المنافى الخارجية وإبقائهم بها أو نزج بهم وراء القضبان كالكثيرين غيرهم.
تيقنوا من أن مقايضتنا للناس بثنائيات الخبز والأمن نظير الحق والحرية تفوق فاعليتها كلماتكم عن الخروج على الديمقراطية والعدل الغائب والظلم البين، وأن هيستيريا الرأى الواحد والعقاب الجماعى وتبرير حكم الفرد كبطل منقذ والصناعة المستمرة ﻷعداء الداخل والخارج والترويج للمؤامرة الكبرى ضد مصر وشعبها تفوق فاعليتها كل أحاديثكم عن سلطويتنا وعن إماتة السياسة وطغيان الأمنى وكل طرح لكم عن أن مصر لن تحتمل قمعنا والمظالم والانتهاكات المتراكمة وكل إحالاتكم السلبية إلى الجدار الذى سنصطدم به والبركان الذى سينفجر والصراعات المجتمعية والسياسية التى لا تجد من يديرها برغبة فى الشراكة وبناء التوافق، فلم يعد يقتنع بمثل هذه المقولات غير القليل من الناس بعد أن رددتموها طويلا وعجزتم دوما عن تقديم بدائل وحلول فعلية.
أضعتم فرص بناء الديمقراطية خلال السنوات الماضية، وها نحن قد عدنا، وقد عدنا لنبقى. فاصمتوا أو ارحلوا أو اعتادوا الخوف ومحدودية الفاعلية أو انتظروا العقاب.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر