ليس وباء واحـدا - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:16 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليس وباء واحـدا

نشر فى : الثلاثاء 9 يونيو 2020 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 يونيو 2020 - 8:25 م

ينصرف تركيز الناس فى كل أنحاء العالم إلى فيروس «كوفيد ــ 19»، أى الوباء الذى فرض الإغلاق على الحياة الطبيعية، وأبقى على عشرات الملايين فى منازلهم، وأجبرهم على ممارسة التباعد الاجتماعى، طبيعى أن يفكر الناس فى هذا الوباء، الذين يخشون أن تداهمهم موجة أخرى منه، أو أن يفرض عليهم مزيدا من القيود فى انتظار التوصل إلى دواء أو لقاح، ولكن ــ الجانب الآخر ــ من هذه المحنة «الكونية» هو الاتجاه نحو أساليب وقائية فى الحياة، والانتقال إلى الفضاء الإلكترونى، وغيرها.
ولكن هناك أوبئة أخرى أكثر خطورة من «كوفيد ــ 19» أو كورونا.
هناك وباء العنصرية الذى أظهر وجهه القبيح، ودفع الناس إلى الاحتجاج ليس فقط فى الولايات المتحدة؛ حيث قتل الشاب ذو البشرة السمراء «جورج فلويد»، ولكن أيضا فى أماكن أخرى من العالم مثل لندن، اللافت خلال الاحتجاج، ربما له دلالة رمزية، أن المتظاهرين تخلو عن ارتداء «الكمامات» أو الأقنعة الواقية من فيروس كورونا، وابتعدوا تقريبا عن كل الإجراءات الاحترازية الأخرى، ربما إعلانا من جانبهم أن هناك أوبئة أشد فتكا بالقيم الإنسانية مثل العنصرية.
هناك وباء التطرف الذى يبث الكراهية فى نفوس الناس، ويجعلهم يشعرون بالاستعلاء فى مواجهة الآخرين، وإذا عشش فى الذهن البشرى قد يقوده إلى الإساءة للآخرين المختلفين معه، وعادة ما يؤدى رفض الآخر إلى الإساءة إليه، أو الإبقاء عليه فى هامش الحياة.
وقد عبر أحد المهتمين بالعلاقة بين علم النفس والحياة «أون لاين» عن ظاهرة تعدد الأوبئة بأنه إذا كانت الحياة الإلكترونية تمثل وسيطا ضروريا لحماية الناس من العدوى الجسدية الناجمة عن التفاعل المباشر بين الناس، إلا أنها تحمل بين طياتها إمكانية العدوى الذهنية، التى تتمثل فى شيوع مشاعر (الخوف من المجهول الذى لا نعرف)، والتعرض إلى الأفكار (الأخبار المفبركة التى تقلب المشاعر، ونظريات المؤامرة التى تمنع عن رؤية الأشياء صحيحة)، واكتساب السلوكيات (الشعور بالحاجة إلى الاكتناز مما يتسبب فى حمى الشراء الإلكترونى)، يضاف إلى ذلك نظرية السكان «الأغنياء»، الذين يعيشون فى حصانة من الفيروس القاتل، أو هكذا يتصورون، ويشعرون أن الآخرين المهمشين والفقراء هم مصدر العدوى، أو نظرة بعض الإعلام الغربى إلى آسيا أو الصين تحديدا بوصفها مصدرة «كوفيد ــ 19»، وهى ذات النظرة التى سادت فى العصور الوسطى فى المجتمع الإنجليزى من أن الفقراء والمهمشين هم سبب انتشار الطاعون.
الوباء ليس فقط جسديا، ولكن هناك أوبئة فكرية أكثر فتكا بالإنسان.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات