إحدى النتائج العميقة التى استخلصها الناس، وبخاصة الشباب، بعد سنوات من الحراك الذى شهده المجتمع منذ 2011 هو الروح النقدية، أى عدم قبول الأشياء على علاتها، والنظر إلى الظواهر بروح النقد. نرى ذلك فى تجليات مختلفة، منها ما شاهدناه من رد فعل الجمهور إزاء الأداء المتهافت للمنتخب القومى فى بطولة الأمم الإفريقية. لم يكن الجمهور متعصبا أو مغلقا لعقله، بل كان واعيا ناقدا. عندما تجلس فى «المقاهى» تشاهد المباراة، وحولك العشرات من الشباب والشابات الذين لا تعرف بالتأكيد طريقتهم فى التفكير، لكن تجدهم يمارسون النقد، وهذه عينة من الشباب تجدها فى كل مكان، تسمع منهم أن المنتخب أداؤه سيئ، وأن الفريق المنافس يلعب أحسن، ويعلو صوت عدد من الشباب «يعنى ما فيش غير اللاعب ده، هى ناقصه تحرش»، وآخرون ينتقدون بصوت عال أداء محمد صلاح، وعندما اهتزت شباك المنتخب المصرى بهدف من جنوب إفريقيا، شباب كثير قال «يستحقون الفوز، ليس بهدف واحد، ولكن بأكثر من هدف. البركة فى الشناوى الذى أزاح عن مرماه بلاوى كثيرة». وتسمع من البعض منهم تحليلا فيه معلومات عن المدرب وتاريخه، عن اتحاد الكرة وعثراته، عن الشخوص التى تتربح على حساب الساحرة المستديرة، الخ.
هناك وعى لدى الشباب، وتسرى بداخلهم روح نقدية. البعض فى السنوات الماضية اختزل «حراك الشباب» فى مظاهرات أو احتجاجات فى الشارع، وهى جانب محدود للغاية من الشباب، ووعيهم فى المجال العام، ولكن لم يلتفت إلى أن الوعى الحقيقى لدى الشباب فى مظاهر أخرى مثل اقبالهم على الرواية عند شريحة منهم، وقراءة ما يبغون، تفاعلهم النقدى على صفحات التواصل الاجتماعى، وبالأخص على «فيس بوك»، والنظرة المتغيرة إلى العمل عند بعضهم، حيث تنتشر على نطاق واسع مبادرات شبابية عبر سلسلة من منافذ البيع المبتكرة فى الشارع شكلا ومضمونا لبيع مشروبات ومأكولات تجتذب الشباب، وهناك تغير فى طبيعة العلاقات الاجتماعية فى المجتمع، ومن ملامحها العلاقة بين الشاب والفتاة، إلى حد تجاورهما فى المقاهى، ومدرجات كرة القدم، وسباق الدرجات، وقيادة الدرجات البخارية، الخ.
المجتمع ليس ساكنا، والشباب يتغير فى نظرته، وأسلوب تفكيره، وعلاقاته الاجتماعية. وقد كشفت دراسات عديدة فى مجال التربية أن من أهم المهارات التى ينبغى أن يركز عليها النظام التعليمى للشباب والمراهقين فى القرن الحادى والعشرين هو «التفكير النقدى»، بمعنى القدرة على تنظيم المعلومات، تحليلها، وضع الحلول للمشكلات، الخ. هذا ما نحتاج إليه فى التعليم المصرى، إذا أردنا أن نحول روح النقد عند الشباب إلى تفكير نقدى. التعليم هو الإشكالية التى طالما نرتطم بها كلما تحدثنا عن التقدم فى أى مجال.