أغلب الروايات وأفلام النصف الأول من القرن العشرين تأثرت بشكل ملحوظ برواية الكاتب «ليو تولستوى» وهى رواية قصيرة تحمل اسم «لحن كروز»، حيث يلتقى شخصان من جيلين مختلفين، هما الرجل المتقدم فى السن بحكى السطوة العاطفية إلى شاب، فهو يعتصر جميع ذكرياته، النتيجة معروفة سلفا، حيث إن الأب قد عانى على المستوى العاطفى من مشاعر حب مستحيلة، وها هو الآن بعد كل تلك السنوات اجتر ذكريات مؤلمة المصادفات المحزنة، وبالتالى فإننا نعرف نهاية القصة سلفا، الرجل العجوز مجدى «يحيى شاهين» يتكلم إلى ابنه الشاب ويروى له عن قصة حبه لأمه، ولكنه فى نفس الوقت كان فى حالة قلق شديد حين وقع فى قصة حب مزدوجة مع أخت زوجته.
العلاقات المتشابكة هنا تجعل الناس يؤمنون بسخرية القدر، فالرجل متزوج من امرأة ابنه، أسرة راقية وهى ليست شريرة أبدا، ولكنها لا تتفهمه بنفس درجة حب أختها، ومع تطور الأحداث فإن الشك يتسرب إليها، وتكاد العلاقات أن تنفجر حتى تحدث انفراجة ما، الأستاذ الجامعى مجدى، وهذا الاسم هو من ابن وحيد للمخرج والكاتب محمد كامل حسن المحامى، ومجدى هذا كان موجودا كشخص وممثل طفل فى أفلام كثيرة كتبها أو أخرجها منها فيلم «أقوى من الحياة»، وهذا الرجل يماثلنى عمرا، وبينى وبينه صداقة قوية، وهو يسعى دوما لعمل تقديم لتاريخ أبيه الفنى، ومنذ عشر سنوات أصدر عنه كتابا عن أفلامه وحياته والمآسى الذى عاشها مع زوجته الثانية، باعتبار أنه محام فإنه يعرف تماما كيف يصيغ أجواء غموض، والكثير من أعماله بمثابه أفلام عاطفية منها «هذا هو الحب»، مع يحيى شاهين وأيضا ختم حياته بإخراج أفلام بوليسية مثل «الابن المفقود»، بما يعنى أنه مارس الأدب وكتب رواية «حب وإعدام» «هل أقتل زوجى» قبل أن يهرب إلى لبنان بلا عودة.
«مرت الأيام» إنتاج 1954 ومن إخراج أحمد ضياء الدين، ومن بطولة ماجدة ويحيى شاهين اللذين لم يتوقفا عن العمل معا قرابة عشرة أفلام، وشاركهما فى البطولة كل من أمينة نور الدين، وسناء جميل، علما بأن أمينة نور الدين ممثلة ذات ملامح برجوازية حبستها الأدوار فى شخصية الشريرة صاحبة المؤامرات، ومنها فيلم «مؤامرة» مع يحيى شاهين وإخراج كمال الشيخ، لكنها فى هذا الفيلم تصرفت كواحدة من بنات الأسر التى اهتزت مكانتها بسبب ظروفها الاجتماعية، فاضطرت للزواج من الأستاذ الجامعى، وأما أختها كوثر فقد سافرت إلى الإسكندرية لتعمل هناك سنوات عديدة بعد أن صدمت فى أن أستاذها وحبيبها أحب أختها وتزوجها.
هناك تشابه ملحوظ جدا بين مصائر الأبطال وعواطفهم فى هذا الفيلم وبين فيلم «بنات اليوم» إخراج بركات 1957، الشقيقتان تقعان فى حب رجل واحد، وهو يتقدم لخطبة واحدة ويصدم الأخرى، وتكون هذه الواحدة المختارة غير مستعدة تماما بالتعرف على العالم المثالى للزوج، تتكشف العواطف ببطء شديد جدا، وتعتدل الموازين وتعود كل حبيب لحبيبه وتسير الأمور، لكن على طريقة لحن كروز الدوار مثل الحياة والدنيا.
أحمد ضياء الدين مخرج من طراز بركات صاحب الفيلم الثانى «بنات اليوم»، وهو الرومانسى الأول فى السينما المصرية لم يعمل إلا هذا النوع من الأفلام ومنذ البدايات الأولى وهو معجب بماجدة وقدمها فى أهم أفلامها على الإطلاق ومنها: المراهقات، مع الأيام، وأين عمرى، وقرية العشاق، وأرضنا الخضراء، وقيس وليلى، كل فيلم من هذه الأفلام كان يعتبر بمثابة حالة انتقالية ملحوظة لماجدة التى حاولت دوما أن تحقق لنفسها مكانة أقرب لـ فاتن حمامة، وسميت بعذراء الشاشة حتى تزوجت وتغيرت أدوارها.
ويعتبر دور علية أبرز هذا الأدوار بما يعنى أن جميع أفلامها معه كانت إرهاصات لدور علية التلميذة التى تتزوج عمو عزيز العجوز، وتتصور أن الزواج لعبة من ألعاب الأطفال وتفشل العلاقة كلها وتصبح عليها أن تختار فى المرة التالية، وكان يحيى شاهين النجم المشارك لها فى أدوار جعلتها تتدفق بالحيوية مثل دور الغريب، وهو أيضا من أفلام لحن كروز بمعنى أنه يدور على لسان حال شاهدة بالأحداث التى استمرت عقودا طويلة، ولهذا السبب عملت ماجدة فيما بعد مع يحيى شاهين فى أدوار بارزة للغاية، وكلها مستوحاة من نصوص عالمية مثل فيلم هذا الرجل أحبه 1962 وغيره.