علاقة الحب-الكره الغربية للصين - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 سبتمبر 2024 1:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاقة الحب-الكره الغربية للصين

نشر فى : الجمعة 9 أغسطس 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الجمعة 9 أغسطس 2024 - 6:59 م

فى الكثير من الأحيان يذكّر الحديث الرسمى للجانبين الأمريكى والأوروبى عن الصين بما يسمى فى علم النفس بعلاقة الحب-الكره. من جهة، يبتهج الغرب عندما تُعلن البيانات الدورية عن الاقتصاد الصينى وتثبت استمرار نمو مصنع العالم وكفاءة الشركات العملاقة التى تصدر منتجاتها إلى كل بقاع الأرض، وتثبت أيضًا تواصل ارتفاع القوة الشرائية للمواطنين والمواطنات، البالغ عددهم مليار ونصف المليار تقريبًا. يبتهج الغرب لأن نمو اقتصاد العملاق الآسيوى يبعد شبح الانكماش ذى المخاطر المتعددة عن الأمريكيين والأوروبيين، ولأنه يفتح المزيد من أبواب الاستثمار أمام شركاتهم التى تتواجد بكثافة فى الصين. سياسيًا، يبتهج الغرب أيضًا حين تأتى من قيادة الحزب الشيوعى ومؤسسات الدولة الصينية سياسات وإجراءات تتوافق مع مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى كحماية حرية الملاحة والتجارة فى منطقة البحر الأحمر وضمان عدم اتساع رقعة الصراعات العالمية على نحو يؤثر على استقرار إمدادات الطاقة وخطوط التجارة والمواصلات.

غير أن حديث المسئولين الغربيين يدلل أيضًا على خليط من الغيرة والخوف من التقدم المطرد للصين اقتصاديًا وسياسيًا وتداعياته على النظام العالمى. تكاد الغيرة تقتل الجانبين الأمريكى والأوروبى حين تأتى البيانات الاقتصادية للعملاق الآسيوى متفوقة فى معدلات نموها وضبطها للتضخم وتطور صادراتها على الغربيين، خاصة حين تواجه بعض الاقتصاديات الغربية الكبرى أوضاعًا انكماشية كما هو الحال فيما خص اليابان وألمانيا. ويكاد الخوف من كفاءة الشركات الصينية العاملة فى مجالات التكنولوجيا والطاقة والنقل والبنية الأساسية يقتلهم ويدفعهم، فى تناقض صريح مع كتاب حرية التجارة والمنافسة المقدس، إما إلى فرض رسوم جمركية انتقامية على بعض تلك الشركات أو إلى إنزال عقوبات صريحة بها فيما يشبه الحرب التجارية العالمية.

يقتل خليط الغيرة والخوف الغرب حين يسجلون حقيقة أن التطور التكنولوجى للعملاق الآسيوى لم يعد يعتمد على نقل التكنولوجيا من قبل الشركات الأمريكية والأوروبية وصار قبل أى شىء آخر يستند إلى طاقات علمية وبحثية وتكنولوجية داخلية تطورت على مدى العقود الماضية، وأصبحت قادرة على تجاوز القيود والرسوم والعقوبات الغربية.

• • •

أمس، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحقيقا متميزا عن السياسات والإجراءات التى نفذتها الحكومة الصينية على مدار عقود متعاقبة لتطوير قاعدة علمية وتكنولوجية محلية (هنا). وعلى الرغم من المعلومات الدقيقة التى يحملها التحقيق والصورة التحليلية التى يرسمها لبلد عملاق يدرك استراتيجيًا ما يحتاجه لمواصلة التطور والنمو ويبتدع سياسات وإجراءات محددة للوصول إلى أهدافه وبرؤية واضحة لعنصر الزمن وقراءة واقعية لحدود دعم الغرب، إلا أن التحقيق يحمل بين طياته خليط الحب-الكره المعتاد.

ينطبق ذات الأمر على نظرة الجانبين الأمريكى والأوروبى للأدوار السياسية التى تضطلع بها الصين فى محيطها الآسيوى وعالميًا، حيث يشعر الغرب بالغيرة والخوف القاتلين حين تتوسط بكين بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما ولإنجاز توافق بين البلدين بشأن اليمن وبعض ضمانات الأمن الإقليمى فى شبه الجزيرة العربية والخليج، أو حين يخرج من العاصمة الصينية إعلان مصالحة وتوافق وطنى بين كل الفصائل الفلسطينية.

فى تلك اللحظات، يسيطر خليط الحب-الكره على نظرة الغربيين للصين ويراوحون، فيما خص السعودية وإيران، بين التقييم الإيجابى المتحفظ وبين، وفيما خص فلسطين، التندر والتسفيه. والشاهد أن الصين فى السياقين قامت بممارسة دبلوماسية الحل السلمى للصراعات بنشاط ملحوظ وبهدف دعم الاستقرار والأمن العالميين، ولم تخشَ التورط الإيجابى مع إيران التى يراها الغرب دولة مارقة أو مع الفصائل الفلسطينية، التى يصنف الغرب الكثير منها كحركات إرهابية.

• • •

الحال، إذا، هو أن الغرب يقارب الصين بخليط الحب-الكره هذا ويبحث عن استراتيجيات وسياسات لاحتواء صعود العملاق الآسيوى. ويدلل على ذلك، خاصة فى لحظات الأزمات الإقليمية والعالمية، مجمل تصريحات المسئولين الأمريكيين والأوروبيين ومضامين العديد من التحقيقات الصحفية والأوراق البحثية المتداولة فى مراكز التفكير الغربية. ثم ينقلب خليط الحب-الكره الغربى إلى عداء صريح ما أن يشعر الأمريكيون والأوروبيون بتفوق الصين إن فى محيطها الإقليمى؛ أى فى منطقة المحيط الهادى وقضايا الأمن العالمى المرتبطة بها ووضع تايوان، أو فى السياسة العالمية، كما هو الحال فى التورط الإيجابى للتوصل إلى حلول سلمية لبعض الصراعات وفى العلاقات المتنامية مع روسيا ومع العدد الأكبر من بلدان الجنوب العالمى وفى التجمعات العالمية التى صارت بكين تقودها وتضم إليها قوى إقليمية من الجنوب، مثل تجمع البريكس الذى اتسعت عضويته مؤخرًا.

• • •

أما الصين فتتحرك ومنذ خمسينيات القرن العشرين، وفقًا لاستراتيجية طويلة المدى لفرض نفسها قوة اقتصادية وسياسية عالمية مرتكزها الأول هو ضرورة تواكب اتساع مساحات الدور العالمى مع التطور المطرد فى القاعدة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية الوطنية ومع استقلاليتها المتصاعدة من قيود التبعية للغرب ودون التورط فى مغامرات أو مقامرات فى المحيط الإقليمى أو العالمى. ولن تخرج الصين أبدًا، لا فى المحيط الهادى ولا فى الشرق الأوسط والجنوب العالمى ولا فى إدارتها لعلاقاتها مع الغرب وروسيا، عن محددات تلك الاستراتيجية طويلة المدى.

فعنصر الزمن هو فى صالح العملاق الآسيوى، والحقائق العالمية للاقتصاد والسياسة فى صالحه أيضًا. والصعود التدريجى وعلى نار تقدم هادئة أفضل بكثير لبلد ذى حضارة عمرها آلاف السنين عن الاختراقات السريعة قصيرة العمر ومحدودة المفعول.

 

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات