نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب مفتاح شعيب، تناول فيه التحولات السياسية التى تواجهها دول أوروبا الشرقية بعد ثلاثين عاما من تخلصها من الشيوعية، إذ أسفرت نتائج انتخابات سلوفاكيا الأخيرة عن فوز حزب لا يرغب فى معاداة موسكو، مما يجعلها تلحق بالمجر، ناهينا عن وجود دول أخرى فى تلك المنطقة تستعد لتحولات مماثلة، مثل بولندا التى غيرت من موقفها الداعم لأوكرانيا... نعرض من المقال ما يلى.
تقف دول أوروبا الشرقية، التى كانت سابقا تحت العباءة السوفييتية، فى موقف لا تحسد عليه، وبسبب الحرب المستمرة فى أوكرانيا أصبحت فى مفترق طرق، بين العودة إلى الحياد ومحاولة بناء علاقات متوازنة مع روسيا أو التبعية المطلقة لأوروبا الغربية والانخراط فى السياسة الأمريكية التى لم تسفر عن أى نتيجة جوهرية حتى الآن، فيما التطورات الدولية الأخرى تضع أمامها مزيدا من العقبات.
منذ فترة طويلة تعانى دول أوروبا الشرقية انقسامات حادة بسبب دعم أوكرانيا وقضية المهاجرين وقبلهما السباق للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى «الناتو»، وكلها ملفات لم تكن يسيرة التناول وتمت معالجتها فى سياق أجندات سياسية معينة لأطراف من خارج الكتلة، فالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى كان برغبة «بروكسل» فى التوسع، ونيل عضوية حلف «الناتو» كان مصلحة أمريكية بالأساس، إذ تريد واشنطن أن تمتلك ذراعا عسكرية طولى تستخدمها متى تشاء بدل الاعتماد المفرط على قوتها العسكرية الضخمة، وقد تم استخدام ذلك فى غزو أفغانستان عام 2001، وفى ضرب ليبيا عام 2011، وقبل ذلك فى الهجوم على يوغسلافيا السابقة عام 1999.
ولكن بعد سنوات، وفى ظل أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، تبين لبعض النخب فى دول أوروبا الشرقية أن المسارات التى حددتها أطراف من خارج تلك الكتلة، لم تكن مثالية. وما أظهرته نتائج انتخابات سلوفاكيا الأخيرة، وفوز حزب «سمير ــ إس دى» بقيادة رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو فى الاقتراع وتكليفه تشكيل حكومة جديدة سوى تعبير عن ذلك. ولأن توجهات هذا الحزب لا تتساوق مع التوجه الغربى يصفونه بـ«الشعبوى»، وذنبه أنه يطالب بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا وينتقد الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى ولا يريد التورط بعلاقات عدائية مع موسكو.
قبل انتخابات سلوفاكيا شنت وسائل إعلام غربية هجمات على حزب فيكو، وسعت إلى تذكير أنصاره بما عاشوه هم وآباؤهم مع نظام شيوعى كانت تديره موسكو قبل انهيار الاتحاد السوفييتى عندما كانت سلوفاكيا وتشيكيا المجاورة دولة واحدة. لكن تلك الحملات لم تفلح فى حرف الناخبين والناخبات عن قناعاتهم، وأقبلوا على صناديق الاقتراع بكثافة حتى خرجت تلك النتيجة التى أزعجت أوكرانيا والقوى الغربية، ووضعت سلوفاكيا إلى جانب المجر بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذى كان يغرد منفردا منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، وربما الآن أصبح فى وضع مريح، لاسيما أن دولا أخرى فى تلك المنطقة تستعد لتحولات سياسية، فبولندا مثلا، التى كانت من أكبر الداعمين لأوكرانيا، نأت بنفسها عن ذلك الخط، ربما ليس حبّا فى موسكو، وإنما انتصار لمصالح بدأت تتغير وتفرض رؤى مختلفة وتعاملا مغايرا لما كان يجرى.
بعد أكثر من ثلاثين عاما من تحرر أوروبا الشرقية من الشيوعية، اكتشف بعض نخبها أن التحرر من الشيوعية لا يعنى السقوط بين براثن الرأسمالية، والتخلص من هيمنة موسكو لا يمكن الاستعاضة عنه بالتبعية لواشنطن. ومع الوقت والوقائع تتغير القناعات. واليوم روسيا ليست شيوعية، ولكنها ما زالت حاضرة بقوة فى أوروبا الشرقية ولها أنصار وحلفاء، ومن الغباء أن يفكر الغرب بغير ذلك.