رسميا، أعلنت الحكومة المصرية أن معدل الفقر ارتفع إلى 26.3 بالمائة من إجمالى السكان. وبسبب ضجيج المجال العام وشيوع تغييب المعلومات والحقائق وندرة إعمال العقل، سيمر الإعلان الرسمى الصادم دون تعامل جاد مع أسباب كارثة الفقر وبحث موضوعى عن سبل مواجهتها وأدوار المواطن ومنظمات المجتمع الوسيطة وغير الحكومية ومؤسسات وأجهزة الدولة.
نحن أمام كارثة فقر ربع أهلنا. منهم سكان المناطق الحضرية، ومنهم المقيمون فى الريف. منهم الأطفال والشباب والنساء والرجال، ومنهم العجائز. منهم من يعيشون فى ظل أسر صغيرة أو ممتدة، ومنهم شباب ونساء ورجال يرعون أسرا تفككت ومنهم من لهم فى الشارع المأوى الوحيد. منهم أصحاء يقدرون على العمل ولا يجدونه، ومنهم من يعملون ولا يمكنهم العمل من تجاوز خط الفقر، ومنهم مصريات ومصريون يعانون من أمراض مختلفة وترهقهم تكاليف الرعاية الصحية وتفاصيل العلاج. منهم مجموعات من ذوى القدرات/ الاحتياجات الخاصة الذين يميز سوق العمل ضدهم، ومنهم سكان المناطق النائية والمهمشة الذين غابت عنهم جهود التنمية المستديمة وفرض عليهم الفقر وتدنى مستويات الخدمات الأساسية كقدر لا فكاك منه. منهم قطاعات شعبية يزج بها سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة بعيدا عن مساحات حياة الحد الأدنى الكريمة وإلى تماس مع خط الفقر، ومنهم من تتواصل معاناتهم من الفقر منذ عقود كما فى محافظات الصعيد المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وهى الأكثر فقرا فى عموم مصر.
ارتفاع معدل الفقر المرصود رسميا، ومع العلم بأن نسبة إضافية من المصريات والمصريين يعيشون تحت خط الفقر ولا ترصد التقارير الرسمية معاناتهم، هو شهادة عجز للمواطن وللمجتمع وللدولة. وتجاهلنا للإعلان الحكومى والاستسلام لتهميشه فى النقاش العام إن بفعل الضجيج أو المعلومات والحقائق الغائبة أو العقل المهمل هما صنو استخفاف غير إنسانى وغير أخلاقى بمسئوليتنا المشتركة عن حماية حق كل مصرية وكل مصرى فى الحياة الكريمة وعن إنقاذ أهلنا من الفقر وتدنى الخدمات الأساسية المرتبط به وفقا لخطط تنموية حقيقية ولسياسات وإجراءات جادة تعد وتنقح وتطبق وتقيم وتعدل بسرعة تستجيب لكارثة فقر ربع السكان.
أدعو منظمات المجتمع الوسيطة وغير الحكومية ومؤسسات وأجهزة الدولة إلى: 1) إطلاق نقاش جاد حول «ربعنا الذى يعيش فى الفقر» وسبل تمكينهم من الحياة الكريمة بواقعية وتدرجية، 2) تشكيل مرصد غير حكومى ــ حكومى للتخطيط لمواجهة شاملة للفقر ولمتابعة إعداد وتطبيق وتقييم السياسات والإجراءات فى إطار شراكة بين المجتمع وبين مؤسسات وأجهزة الدولة وفى إطار الالتزام الكامل بالشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد، 3) تفعيل دور المواطن والقطاعات الشعبية ذات الحيوية كالشباب والطلاب وتمكينهم من المشاركة الحرة فى جهود مواجهة الفقر، 4) التوافق على شحذ طاقات المواطن والمجتمع والدولة بأدوات متنوعة، قد يكون من بينها إعلان عام 2030 كعام البداية لمصر الخالية من الفقر.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.