سعدت يوم الثلاثاء الماضى بالمشاركة مع عدد كبير من الزملاء الصحفيين والإعلاميين
والكتاب وأسرة الأستاذ محمد حسنين هيكل تتصدرهم رفيقة عمره السيدة الفاضلة هدايت، بافتتاح جناح خاص بمكتبة الإسكندرية، يضم كثيرا من الوثائق ومقتنيات الاستاذ الخاصة.
بين هذه المقتنيات المعروضة رأيت ما كان له وقع خاص فى نفسى، وهى الشهادة التى تتضمن حيثيات اختيار نقابة الصحفيين للأستاذ هيكل للحصول على أول جائزة تقديرية عام ٢٠٠٠ مع الهرم الذهبى، الذى قام بتصميمه الفنان المتميز أحمد نوار والذى أهدى النقابة أيضا التصميم الحالى لكارنيه العضوية.
استرجعت كيف استقبل الاستاذ ــ وكنت أول من أبلغه ــ خبر اختياره الحصول على الجائزة، وسعادته بها، وهو الذى رفض كثيرا من الجوائز الرفيعة التى تم ترشيحه لها فى الداخل والخارج. كان الاحتفال بمبنى النقابة المؤقت بجوار قسم الازبكية مهيبًا حضره بضعة الاف من الصحفيين ( اغلبهم من الشباب) اكتظ بهم مبنى النقابة ومحيطها.. فى هذا الاحتفال المهيب، بحضور النقيب ابراهيم نافع وكامل زهيرى رئيس مجلس أمناء الجائزة، أعطى الأستاذ فى كلمته درسا بليغًا لأهمية احترام الكيان النقابى، عندما قال فى كلمته «موقفى فى هذا الأمر يصدر عن اعتقاد بأن تكريم أى صحفى هو سلطة قرائه، وقراؤه وحدهم فى صلة لا تحتاج إلى مناسبات لأنها حياة كل يوم. لكنه على الجانب المقابل وهذه المناسبة فإن صاحب الفضل هو نقابة الصحفيين، وفضلها ليس بالرتب كبيرة أو صغيرة، وليس بالماس المرصع أو الذهب المشغول، وإنما هو الفضل المعنوى يحتاجه أولئك الذين ينتظرهم الغد، وفى نفس الوقت قد لا يستغنى عنه أولئك الذين وضعوا مستقبلهم وراءهم. تداعت المشاهد أمامى وأنا أنظر فى فترينة عرض المقتنيات، متذكرًا العزيزين رجائى الميرغنى وكيل النقابة وياسر رزق عضو المجلس والمسئول عن جائزة التفوق الصحفى، واللقاء الذى جمعنا بالأستاذ هيكل فى مكتبه عقب حفل تكريمه بعدة أيام.. استمع لنا وقد أفصح عن رغبة ملحة فى عمل شىء يدعم به شباب المهنة.. تحدثنا يغلبنا الانحياز للنقابة وكيف تكون هى وعاء هذا العمل، رجائى بمنطقه النقابى الرصين، وياسر بحيويته وتدفقه وحرصه على إضافة جائزة باسم الأستاذ ضمن جوائز التفوق الصحفى.. امتد الحوار لأكثر من ساعة، فهمنا من مداخلاته أنه يفكر بطريقة مختلفة، وأنه ينظر للأمر من زوايا أشمل وأوسع، ولكنه ترك باب المناقشة مفتوحا.. إلى أن طلبنى ذات مرة للقائه بعد فترة طويلة وفتح معى فكرة رغبته فى تخصيص جائزتين تحملان اسمين لهما فى نفسه مكانه خاصة وتأثير، وهما محمد التابعى والدكتور محمود عزمى.. الأول لانحيازه للمهنة وأدواتها، والثانى لتأثيره الفكرى عليه وإشاعة الاستنارة وانحيازه للحريات العامة وحرية الصحافة. وأزعم أنه فى هذا اللقاء الذى جمع ثلاثتنا به (رجائى وياسر وأنا) عقب الاحتفال ولدت عنده فكرة المؤسسة التى تحمل اسمه وفكرة الجائزتين، التى انتظمت مؤسسته فى منحهما سنويا بعد رحيله، لأفضل عملين لشباب الصحفيين فى مصر والدول العربية. وتبقى فكرة مؤسسة هيكل، كما أرادها هو وخطط لها وصاغ جميع تفاصيلها، وقد خصنى متفضلا بنسخة منها عندما فكر أن يكون أحد أدوار نقابة الصحفيين هى المكان لهذه المؤسسة لكنه بعد ذلك عدل عن هذه الفكرة وتنازل لصندوق المعاشات عن نصف مليون جنيه كان قد دفعهم كمقدم لإيجار هذا الدور. هذا هو الحلم المؤتمن عليه الآن من جانب أسرته التى تسعى فى كل الاتجاهات لتحقيقه وهذا هو المشروع الأكبر والأهم. وفى اعتقادى أنه عندما تتاح الظروف لانطلاق دور هذه المؤسسة ستشكل إضافة كبيرة تتيح المعرفة للباحثين وتكون نافذة على المستقبل.
وأخيرا يرحل الجميع و يبقى الأثر وتعيش المواقف ويظل كل من أخلص وأعطى يحتل وحده المكانة التى تليق به.