بعد تشييع جثامين المواطنين الأبرياء من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية يوم الأحد الماضى كان هناك من ينتظر المشيعين بالطوب والعصى والمولوتوف والأسلحة. وعلى مدار ساعات شاهد المصريون كيف تدلل قوات الأمن المهاجمين الذين ظلت وسائل الإعلام تستخدم مصطلح «مجهولين» لوصفهم، وما هو مجهول بالنسبة للإعلامى أو المشاهد ينبغى أن يكون «معلوما» بالنسبة لرجل الأمن الذى لم يكلف نفسه عناء القبض عليهم حتى نعرف هويتهم. وكم كان معبرا أن تخرج سيدة محجبة أمام إحدى الفضائيات تروى كيف خرج المعتدون يلقون قنابل مسيلة للدموع، تبعها طلقات، ثم الحجارة، وتربط ذلك بما حدث ببورسعيد. وبعد أن غادر وزير الداخلية محيط الكاتدرائية فى المساء عاد اعتداء «المجهولين» مرة أخرى على الأقباط، وتجددت الاعتداءات فى «الخصوص» المسرح الأساسى للاعتداءات على الأقباط، وكنيستهم، ومنازلهم تحت سمع وبصر قوات الأمن التى كانت موجودة. وكم كان مضحكا أن تستمر وسائل الإعلام الحكومية فى الحديث عن «المجهولين» الذين يهاجمون قوات الأمن.
مشهد واضح لن يحل ألغازه إعلان رئيس الجمهورية بأن الاعتداء على الكاتدرائية اعتداء عليه شخصيا، أو مطالبته بالتحقيق الفورى فى الأحداث لأن الاعتداء وقع وسط تواطؤ أمنى فاضح شاهده القاصى والدانى، وهو الأمر المتكرر فى كل الأحداث التى شهدت اعتداء على المواطنين الأقباط إلى الحد الذى أصبحت مناطق بأكملها تُعرف بالمآسى التى وقعت فيها من ديروط وصنبو والكشح وجرزا والعمرانية والعصافرة والعديسات والمريناب والخصوص. هذه الأماكن لم يكن ليعرف المصريون أسماءها، عدا سكانها بالطبع، إلا لأن هناك أحداثا غاشمة حدثت بها. وبالمناسبة لم يُقدم شخص واحد متهما بارتكاب جرائم قتل ونهب وحرق فى كل هذه الأحداث، وكأن قانون العقوبات يوضع على الرف فى التوترات الدينية، ويحل محله «صلح عرفى» لا يلبى أدنى متطلبات العدالة يظلم فيه المجنى عليهم ـ أى الأقباط ـ مرتين الأولى عندما يعتدى عليهم، ويصل الأمر إلى تهجيرهم، والثانية عندما يجبرون على صلح عرفى جائر.
داخلية مبارك هى داخلية مرسى، لا تغيير، من التواطؤ الذى يرافق الاعتداء على الأرواح والممتلكات إلى إطلاق الروايات الكاذبة، وقنابل الدخان حول الأحداث المؤلمة حتى تتوه الحقائق، ويختلط الحابل بالنابل، ويصبح المجنى عليه هو المعتدى.
«المجهول» فى منطقة الخصوص وحول الكاتدرائية هو «معلوم» لدى وزارة الداخلية، كان قريبا من يدها يلقى الحجارة والمولوتوف بجوار ضباطها وجنودها وسياراتها المدججة، وعلى مرمى البصر على أسطح المنازل المحيطة، تركته أجهزة الأمن يمضى بلا عقاب. الطرف الثالث لم يعد تعبيرا مستساغا فحل محله «المجهول»، وترك الأمر للمجهول يفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
لم يعد أمام رئيس الجمهورية إلا أن يقيل وزير الداخلية. ويكفى أن الكاتدرائية التى بنيت فى عهد عبدالناصر فى الستينيات ـ وما أدراك ما الستينيات ـ اعتدى عليها «المجهولون» فى زمن الإخوان المسلمين.