رحلة امرأة مع ذاكرة يومية للحرب فى غزة - قضايا فلسطينية - بوابة الشروق
الأحد 7 يوليه 2024 11:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رحلة امرأة مع ذاكرة يومية للحرب فى غزة

نشر فى : الإثنين 10 يونيو 2024 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 10 يونيو 2024 - 7:35 م

هل نعرف حقًا، معنى كلمة حرب بالنسبة للمرأة؟ ستسألنى، وبم تختلف أيام الحرب بين المرأة والرجل؟ حسنا، أنا أيضًا لا أعرف حجم الفوارق بين يوم حرب فى حياة رجل ويوم حرب فى حياة امرأة، لكنه مقال أحاول أن أبدو فيه جدية وحيادية وصادقة بالمعلومات المنقولة.
إذا، دعنى أصطحبك فى رحلة امرأة مع ذاكرة يومية للحرب. فى إحدى مرات الحروب المكررة على غزة، لجأت إلى بيتى صديقة لأمى، أذكر أننى كنت فى بداية العشرينيات، كأننى أكتب الآن بصفتى الستينية مثلًا، لأنك لن تصدق أننى منذ عشرينياتى حتى ثلاثينياتى هذه، أختزن ذاكرة خمس حروب، قد لا يهمك هذا، فلعلك تظن أن الحرب مجرد عادة غزية.
يومها، وقفت السيدة صديقة أمى أمام المرآة تضع الكحل فى عينيها، وحين سألتها عن سبب اهتمامها بالكحل، أجابت: «أنا لا أعيش بلا كحل فى عينى، أشعر أن عينىّ ليستا جميلتين إلا بالكحل الأسود». أكملت بعد ابتسامة خاطفة، وهى ما زالت تنظر إلى المرآة: «رح تعرفى إن الحرب أهم أيام لتعلمك تفاصيل عن الحياة، عشتها فى لبنان والكويت وليبيا».
لم أشعر بحكمة عالية تجاه جملتها الأخيرة، الحرب لن تكون يومًا أجمل الأيام أو أفضلها، الحرب يوم طويل بشع! لكننى عرفت أن الحرب لن تمنع المرأة من النظر إلى المرآة، ولو لمرة واحدة!
فى أيام نزوحى المكررة خلال هذه الحرب، كما يصفنى الأصدقاء «سيدة النزوح القياسى»، اعتمدتُ على كاميرا الهاتف الأمامية كبديل للمرآة. أتفقد وجهى وملامحى، ألتقط صورًا كثيرة، وأحاول البحث فى تفاصيل التغيرات على وجهى.
لكن الكاميرا ليست بصدق المرآة، المرآة انعكاسٌ لصورتى خارج حدود التكنولوجيا، وخارج حدود الاضطرار لالتقاط الصورة، ثم الاضطرار لتنقية الشوائب والعيوب والاطمئنان لشكل الوجه. المرآة أصدق من كل هذا الكذب الذى لجأت إليه، إنها حقا تخبرك من تكون!
بحثت فى السوق فى أيام نزوحى فى خانيونس جنوب القطاع، لكننى لم أجد مرآة واحدة، يومها وقفت فى السوق معترضة وباستنكار شديد، سألت صديقتي: "كيف يمضى كل هؤلاء النساء نحو السوق من دون النظر فى المرآة؟!".
أجابت بتهكم: "كلنا حفظنا شكل أيامنا، بتلاقينا بنلبس كل شى عن غيب"!.
المرة الأولى التى نظرت فيها إلى المرآة، كانت فى بيت لجأ إليه أخى فى رفح، أى بعد ثلاثة أشهر من النزوح، أعارتنى امرأته مرآة مكسورة، نظرت إليها وسألت نفسي: "من هذه؟!".
لم يكن سؤالا بصيغة الخوف، بل كان استنكاريا أبحث فيه عن ملامحى التى نسيتها، للمرة الأولى أنظر إلى المرآة من دون أن يكون لدى جملة صديقى المقرب "شو هالجمال؟"، حتى هذه الجملة ضاعت منى لحظة النظر إلى المرآة. لأكثر من ساعتين وأنا أنظر إلى المرآة وألقى بها فى السلة المخصصة للأدوات، وأعيد النظر.
قبل شهرين من الآن، كنت أشارك فى إدارة مخيم للنازحين فى رفح، استعارت إحدى النساء خيمة نازح آخر، استطاع العودة إلى بيته المدمر فى خانيونس، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلى من هناك، من أجل أن تمنح زوجة ابنها "كنتها" فرصة أن ترفع غطاء رأسها عن شعرها "إسدال الصلاة"، فقد أقاموا فى الخيمة مع أخوال زوجها وأبناء حماها وغيرهم، ممن لا تستطيع المرأة كشف شعرها أمامهم!
تحولًا آخر أصاب النساء هنا، نسيت أن أخبرك إياه، يد واحدة صحيح لا تصفق، لكنها يد واحدة، تحمم شعرها، وتغسل وجهها، يد واحدة محظوظة من تمتلكها، كى تحظى بفرصة وداع شهيد أمامها!
أنا أكثرهن حظًا، ستحسدنى أم خليل بعد قليل، حيث أضع المرآة على حافة الشباك لأثبتها، لكننا سنتساوى بعد حين، حيث سنأخذ نحن الاثنتين وسيلة المواصلات الوحيدة المتاحة، عربة يجرها حمار، نسيت أن أخبرك أننى لأول مرة أمتن للحرامى. تشجيع مبرر للسرقة، حيث اشتريت عطرى المفضل بسعر خمسة شواقل، بعد أن كنت أشتريه قبل الحرب بأربعة أضعاف سعره الآن، الحرامى سرق المخازن وباعنى العطر المفضل بسعر يناسب ميزانية الحرب.
تحول آخر يصيب مبادئ المرأة، أن نمتن لفكرة السرقة، لأننا نريد أن نحظى بيوم سابق لهذا الخراب.
إذ لم أحظَ أنا مثلًا، أن أحمل فى حقيبة الإخلاء، كل هذا رغم أنها اتسعت لفرشاة الأسنان مثلًا، لكننا كنساء نخجل من ظن الآخرين بنا، أننا نمتلك رفاهيتنا على حساب خراب الحرب. لا يبدو هذا تحولًا إقليميًا فى حياة النساء، وقد لا يؤثر على العلاقات الدبلوماسية الفلسطينية العربية مثلًا، ولن يزيح العثرات فى علاقة محور المقاومة مثلًا.
لكن هل لك أن تتخيل امرأة تعرف شكلها من عيون النساء، لا من مرآتها!
كيف ستبدو علاقتها بنقل الصورة الحقيقية للواقع؟!

فداء زياد
موقع درج
النص الأصلى
https://rb.gy/ussojm

قضايا فلسطينية قضايا فلسطينية
التعليقات