أُعلنت القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2019) الاثنين الماضى، وربما كانت هذه القائمة من أفضل القوائم التى أعلن عنها فى السنوات الأخيرة؛ قائمة متوازنة ورصينة وأسماء محترمة وأعمال جديرة بالقراءة والتقدير، ومعظم ما تضمنته من أعمال وأسماء نال اهتماما لافتا من جمهور القراء والنقاد ومتابعى الإنتاج الروائى فى العالم العربى.
أوجه التحية والتهنئة للأصدقاء الأعزاء جميعا الذين وصلت رواياتهم للقائمة الطويلة فى بوكر 2019.. لكنى لا أخفى سعادتى الكبيرة جدا وبصفة خاصة لوصول روايات بعينها لأسماء بعينها أتصور أنها تحظى بتقدير كبير وحقيقى فى الوسط الثقافى المصرى والعربى؛ وهى:
«النبيذة» الرواية الرابعة للعراقية القديرة إنعام كجه جى بعد «سواقى القلوب»، و«الحفيدة الأمريكية» و«طشارى» (صادرة عن دار الجديد بيروت)، وفيها كلها أثبتت إنعام براعة مثيرة للإعجاب فى اقتناص الوجع العراقى، بتشعباته وتداخلاته السياسية والاجتماعية والثقافية.
ورواية «الوصايا» للكاتب الهادئ المكين عادل عصمت (الكتب خان)، ورواية «الزوجة المكسيكية» المدهشة للروائى والمترجم «الاكتشاف» إيمان يحيى (دار الشروق)، ورواية الصديقة السورية الدءوبة شهلا العجيلى «صَيِف مع العدو» (منشورات ضفاف، ومجاز، والاختلاف).
هذه روايات مهمة وحقيقية فى زمن الطوفان الذى لا يتوقف عن قذفنا بكل ما هو تافه وركيك وباحث عن الشهرة والدعاية ودون حبة خردل من فن أو أدب! أما روايات هؤلاء الكبار فإنها تجسد هموما وأسئلة حقيقية ينوء بها أصحابها ويسعون إلى إشراك جمهور قارئ حقيقى فى معاناة هذه الأسئلة، لكن بحيل وأساليب الفن ومتع وجماليات السرد والقدرة الفذة على إغناء الخبرة البشرية بحكايات تُروى.. تمتع قبل أن تثير الذهن وتحرك السؤال، تبحث عن شغف قارئها فتأسره قبل أن توجه دفة وعيه إلى ما يحمله هذا الجمال من دلالات ومعانٍ.
سعادتى بوصول هذه الروايات ليس فقط لاستحقاقها وقيمتها، وإنما أيضا لإقرار أن الإنتاج الحقيقى، وبغض النظر عن شهرة صاحبه أو حضوره فى المراكز الثقافية دون الأطراف المهمشة، سيظهر فى وقت من الأوقات على نطاق واسع، ويصل إلى ما يستحق من نجاح وشهرة وقراء، لقيمته أولا وقبل أى شىء آخر.
مثالى فى هذا عادل عصمت الذى يكتب بانتظام ودأب منذ ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضى، وهو ممن يعيشون خارج القاهرة (فى طنطا)، لم يسع إلى الظهور والبحث عن الأضواء والانضواء فى شلل أو جماعات تيسر السبيل لأصحابها لاقتناص ما يستحقون وما لا يستحقون! لم يكتب فى الصحافة ولا حرص على أن يكون متفرغا للجلوس على المقاهى أو التواجد فى الندوات التى لا يحضرها أحد!
فقط كان همه أن يكتب بوعى وحساسية عالية مع بحث عن صوته الخاص يقول لى «أحب كتابتى على طريقة الأستاذ (يقصد نجيب محفوظ)، مع التأكيد دائما على فكرة تجنب المشابهة أو الانزلاق فى فخ تقمص ومعايشته بالكلية، لا يمكن تقليد إبداع نجيب محفوظ ولا يمكن نسخ نظامه فى الحياة، أستاذك هو من يحررك لا من يأسرك، وأستاذى حررنى. تعلمت أن أستمتع بعملى فقط». وأظن أن عادل عصمت لم يستمتع فقط بكتابة رواياته الجميلة؛ مثل «حكايات يوسف تادرس» (نال عنها بجدارة جائزة نجيب محفوظ فى الرواية 2015 التى تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة)، و«صوت الغراب»، و«حالات ريم»، وأخيرا «الوصايا» (صادرة كلها عن دار الكتب خان) بل أمتع بها أيضا جمهورا حقيقيا باحثا عن القيمة الجمالية وسط أكوام قش مفزعة تحاصرنا من كل جانب.
أما رواية «الزوجة المكسيكية» (إصدارات دار الشروق 2018) للكاتب «الاكتشاف» إيمان يحيى، فقد قرأتها على مهل ودونما تعجل فى إصدار أى رأى؛ فقط أحاول أن أضع يدى على موهبة واحتراف صاحبها الذى أكد لى صحة ما أدعو إليه دائما من أن الفن يعالج أى شىء وكل شىء، وأن «الفنان الحقيقى» هو الذى يدرك أن الفن تشكيل وصياغة جمالية فى المقام الأول، وليس مجرد عرض أفكار أو تجميع محتوى أو إرشاد جماعى!
هذا ما قدمته «الزوجة المكسيكية» ببراعة واقتدار، واستحقت أن تنال مكانها ضمن النخبة المختارة من روايات القائمة الطويلة (بوكر 2019).. (وللحديث بقية).