مؤسسة «فيتش» وسوق الغذاء فى مصر - مدحت نافع - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤسسة «فيتش» وسوق الغذاء فى مصر

نشر فى : الإثنين 11 يناير 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 11 يناير 2021 - 7:35 م

لابد أنك قد صادفت مطعما يتم افتتاحه بالقرب من منزلك فى موقع مزدحم بالفعل بعدد من المطاعم الأخرى. ولابد أنك استمعت حينها إلى حكمة شعبية دارجة مفادها باختصار «مشروعات الأكل فى مصر لا تخسر»... وعلى الرغم من بساطة الحكمة وتعميمها المخل، غير أنها تعكس إدراكا لحقيقة اقتصادية لا لبس فيها، وهى أن الدول الكبيرة المزدحمة بالسكان مثل مصر تمثّل بشكل مباشر سوقا رائجة وهامة للسلع والخدمات الاستهلاكية وفى مقدمتها السلع الضرورية، خاصة مع تراجع المتوسط العام للدخل المتاح للإنفاق.
لم يختلف رأى مؤسسة «فيتش» من خلال إحدى الأذرع التحليلية للمجموعة Fitch solutions عن ذلك الحس الشعبى البسيط فى تقريرها الشيّق عن سوق الأغذية والمشروبات فى مصر، الصادر للربع الأول من العام 2021 والمتضمن تنبؤات خمس سنوات تنتهى فى العام 2024. فالسوق الكبيرة كما تجذب الاستثمار فى مشروعات تجزئة أكثرها صغير ومتوسط الحجم (كالمطاعم والمقاهى)، تجذب المليارات فى مشروعات صناعية وخدمية ضخمة تحقق أهدافا اقتصادية عظيمة، ينبغى على مصر أن تهتم بها بشكل كبير، لما تتمتّع به من مزايا نسبية ورد ذكر أهمها بتقرير فيتش الجارى استعراضه، ويضاف إليها سوق عمالة شديدة التنوّع، سهلة الإتاحة يمكن تأهيلها للوفاء باحتياجات تلك المشروعات، وخلق مزيد من فرص العمل التى يتم ترجمتها فى النهاية إلى سوق أكبر وطلب فعّال (مدعوم بقوة شرائية).
***
التقرير معد باللغة الإنجليزية ويستعرض فى 85 صفحة تقريبا عددا من الموضوعات الخاصة بسوق الأغذية والمشروبات فى مصر أبرزها:
* تحليل نقاط القوى والضعف والفرص والتحديات لسوق الأغذية والمشروبات فى مصر.
* تنبؤات حجم السوق حتى العام 2024.
* مؤشر العائد والخطر لصناعة الأغذية والمشروبات فى عدد من الأسواق الأفريقية الواعدة.
* استعراض سوق الأغذية والمشروبات فى مصر ومعهما سوق منافذ بيع التجزئة.
* الوضع التنافسى لصناعة الأغذية والمشروبات فى مصر.
* ملف معلوماتى عن عدد من أبرز اللاعبين فى سوق الأغذية والمشروبات فى مصر.
* نظرة عامة عن الوضع السكانى المصرى.
وقد تضمن التقرير نظرة مستقبلية إيجابية للغاية لسوق الأغذية والمشروبات نظرا للمزايا المتعددة التى يتمتع بها السوق المصرى من حيث:
• حجم الطلب الذى يعكسه عدد السكان الأكبر فى منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط والذى يتوقع أن يصل إلى 110 ملايين نسمة بحلول عام 2024.
• التركيبة السكانية التى تشتمل على نسبة كبيرة من السكان البالغين الشباب فى سن الاستهلاك الكثيف لهذا النوع من المنتجات.
• الموقع الجغرافى الفريد الذى يسمح ببناء قاعدة للتصنيع والتصدير من مصر إلى دول أفريقيا والشرق الأوسط، مستفيدة من اتفاقيات التجارة الإقليمية والثنائية.
يتوقع التقرير تحقيق معدل نمو إيجابى للإنفاق على الغذاء فى مصر، وإن تراجع هذا المعدل إلى 3.9% للعام 2021 نزولا من 18% للعام السابق، وذلك تأثرا بأثر سنة الأساس المرتفعة base effect نظرا لأن الزيادة الكبيرة فى نمو الإنفاق الاستهلاكى على المواد الغذائية كانت استثنائية فى العام 2020 بسبب ارتفاع مخاطر جائحة كورونا، وانعكاس ذلك على سلوك المستهلكين للسلع الأساسية بصفة عامة بغرض التخزين والتحوّط ضد عجز المعروض السلعى. وعلى الرغم من التراجع النسبى فى معدل نمو الإنفاق على الأغذية للعام الحالى مقارنة بعام 2020 فإن تنبؤات التقرير للفترة المنتهية عام 2024 تشير إلى متوسط معدّل نمو سنوى مرتفع يبلغ 8% بما يرفع القيمة الاسمية للاستهلاك من حوالى 755 مليار جم عام 2021 إلى نحو 986 مليار جم عام 2024.
وفقا للتقرير يحتل نصيب الأسد فى سوق الأغذية فى مصر المجموعتان السلعيتان المكونتان من (الخبز والأرز والحبوب ــ اللحوم والدواجن).. كلاهما يستحوذان معا على نحو 46.6% من حجم الإنفاق على الأغذية فى مصر. كذلك يتوقع التقرير انخفاض نصيب الفرد من المشروبات الكحولية إلى ما دون المتوسط العالمى والإقليمى بما لا يزيد عن 3 لترات سنويا بحلول عام 2024 وذلك لأسباب عقائدية فى الأساس.
أما بالنسبة للإنفاق على المشروبات فإن تقرير «فيتش» يتوقع أيضا تحقيق معدل نمو إيجابى رغم كل الظروف، وإن تراجع معدل نمو الإنفاق على المشروبات غير الكحولية فى مصر إلى 4.1% للعام 2021 بعدما بلغ 18.8% للعام السابق وذلك تأثرا بأثر سنة الأساس المرتفعة كما هى الحال مع الأغذية. لكن على الرغم من التراجع النسبى فى معدل نمو الإنفاق على المشروبات غير الكحولية للعام 2021 مقارنة بعام 2020 فإن تنبؤات التقرير للفترة المنتهية عام 2024 تشير إلى متوسط معدّل نمو سنوى مرتفع يبلغ 8.2% بما يرفع القيمة الاسمية للاستهلاك من حوالى 31.2 مليار جم عام 2021 إلى نحو 41 مليار جم عام 2024.
يتوقع التقرير نمو سوق العصائر من الفاكهة والخضراوات بمعدل يزيد عن 13% حتى العام 2024 (باستثناء عام 2021 كما سبقت الإشارة إلى تأثير سنة الأساس).
***
ركّز التقرير على نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى الذى أعد بالتعاون مع صندوق النقد الدولى، وعلى أهمية تحرير سعر الصرف واحتواء الدولة للتداعيات السلبية لهذا التحرير، مع الإشارة إلى الدور الإيجابى لهيئة السلع التموينية فى تلبية احتياجات السوق من المواد الغذائية المختلفة طوال فترة الأزمة.
وقد رصد التقرير أهم الفرص فى سوق الأغذية والمشروبات فى مصر فى عدد من العناصر هى:
• زيادة بدائل التسوق الرقمى وعبر الإنترنت بما يفتح قنوات جديدة للاستهلاك على خلفية جائحة كورونا.
• فرصة سانحة لبائعى التجزئة أن يتعاونوا مع شبكات التوصيل للاستفادة من تلبية طلبات المستهلكين فى المنازل.
• فرصة كبيرة لنمو صناعة التجزئة مستفيدة من تطور أنماط التسوق وزيادة أعداد السوبر ماركت والهايبر ماركت (سلاسل التجزئة والجملة) فى مختلف أرجاء الجمهورية.
• الإصلاح الاقتصادى والاستقرار السياسى يعملان بقوة على جذب الاستثمارات الأجنبية فى مجالات كثيرة، وفى مقدمتها المجالات الأسرع نموا مثل صناعة وتوزيع الأغذية والمشروبات.
• الشركات الأجنبية الراغبة فى الاستثمار فى مصر تمتلك فرصة أكبر للنجاح لو أنها عقدت تحالفات مع لاعبين محليين وإقليميين قائمين بالفعل فى الأسواق.
• يتوقع التقرير تغيير أنماط الاستهلاك للأغذية والمشروبات لتعكس وعيا أكبر بالجوانب الصحية، خاصة مع ارتفاع مستويات الدخل المتاح للإنفاق فى شرائح متعددة من السكان.
• الكتلة السكانية الكبيرة مع انخفاض مستويات الدخل تمثّل فرصة كبيرة لأسواق السلع الاستهلاكية وسلع التجزئة.
وعلى خلفية هذا التحليل فقد نجحت السوق المصرية فى اجتذاب شركات عابرة للجنسيات تعمل فى مجالات الأغذية المصنّعة نظرا لحجم الطلب المحلى. وكذلك اجتذبت شركات إقليمية مهمة من دولتى الإمارات والمملكة العربية السعودية، فضلا عن نمو عدد من اللاعبين المحليين. كذلك يرصد التقرير عددا من المستجدات التى طرأت على سوق الأغذية والمشروبات فى مصر خاصة بعد مرور سنوات من الاضطراب الذى شهدته البلاد منذ يناير 2011 وحتى انتهاء حكم الإخوان. ويؤكد على أن سوق الأغذية والمشروبات فى مصر قد شهدت حالات اندماج واستحواذ متعددة وتدفقات كبيرة للاستثمارات الأجنبية والمحلية والإقليمية.. وذكر فى سبيل ذلك عددا من الحالات التى أفضل ألا أذكرها لاحتوائها على أسماء علامات تجارية كثيرة، لكن يمكن للقارئ البحث عنها بسهولة فى التقرير المشار إليه.
***
خلاصة ما سبق، يشجع تقرير مؤسسة Fitch على الاستثمار فى مجال الأغذية والمشروبات فى مصر على وجه خاص، مع وجود فرصة للتوسع فى أسواق أفريقيا جنوب الصحراء وخاصة فى كل من كينيا وأوغندا. كما يلقى الضوء على مزايا حجم السوق، والتركيب الديموغرافى لمصر، مع التأكيد على الاستقرار السياسى والاقتصادى وأهميتهما فى جذب مزيد من الاستثمارات، وتشجيع النمو المحفّز بالإنفاق الاستهلاكى والاستثمارى على السواء.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات