حافة «الكوثر» - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حافة «الكوثر»

نشر فى : الثلاثاء 11 يوليه 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 يوليه 2017 - 9:45 م
لست ناقدا، لكنى أحب أن أقرأ الأعمال الأدبية بطريقتى الخاصة. النقاد لهم خلطتهم المتميزة، وحبكتهم اللغوية التى لا أعرفها، ولهم وصاية آسرة فى مجال الأدب لا يمكن تجاهلها، ورغم ذلك فإن كل روائى أو قاص أو شاعر يريد فى النهاية أن يلج الناس إلى عالمه الخاص دون «كتالوج مسبق» أو علامات إرشادية على طريق القراءة. 
رواية «حافة الكوثر» للصديق الشاعر والكاتب «على عطا» من نوعية الأعمال الأدبية التى تحتاج تفاعلا ذاتيا مباشرا معا، فيها الكثير من المعانى الظاهرة والمطمورة، والخبرات الإنسانية المتقاطعة التى يقرأها كل شخص بطريقته عبر حالة من الابحار الذاتى. 
الرواية فيها انسيابية فى البناء، وتدفق فى الأفكار، وتنقل دون تكلف ما بين واقع وصديق مهاجر، الانتقال من مسقط الرأس، حيث تكوين النشأة الأولى إلى العاصمة التى تحوى متناقضات كثيرة تلقى بآثارها على الإنسان. والعبور على أزمنة متعددة تحوى فى ذاتها تقلبات الأحداث، وتناقضات السنين، وتغير المفاهيم، واختلاف المواقع. وسط تقاطعات الزمن والمكان تأتى تجربة سردية من البوح، وكسر تابوهات الذات، والتخلص من عبء الخبرات بقلم رشيق، يستدعى تجربة «الكوثر» بكل ما فيها من أحداث وتجارب، مصحة العلاج النفسى، الحاجة إلى الخلاص، إعادة اكتشاف الذات، مواجهة النفس، التواصل المتنوع مع الآخرين، خبرة المرض والإبداع. ليس سهلا أن تكون تجربة علاج نفسى مصدرا للغزارة الفكرية، والخروج من آسر تحيزات الذات، ورغبتها الدفينة فى التكتم، وإغلاق باب الذكريات. لم يقدم شخصيات فى قوالب تفاعلية خشبية، بقدر ما جسد تفاعلات الذات، وأصداء الرغبات، ومساحات التفاعل المتعرج مع الآخرين. 
رواية «على حافة الكوثر» قد يكون فيها سرد وبوح، ولكن فيها معانٍ يقرأها الباحث الاجتماعى فى انحياز الكاتب لما يسمى الشعور بالذنب، ليس لأنه مذنب، ولكن رغبته فى استنطاق معانٍ، وشخوص، وتفاعلات من قلب تجربة إنسانية مؤلمة، خلافا للشعور «بالعار» الذى يرى علماء الاجتماع بأنه دافع للإخفاء، وإغلاق النفوس على الهموم، واعتبار أن الإنسان لابد له أن يصمت حتى يحافظ على فنائه المصطنع بعيدا عن عبث الآخرين. 
نجح «على عطا» فى روايته الأولى، وهو شاعر له دواوين عدة، فى أن يطرق بقوة تجربة انسانية معبرة، تخلص فيها من البنية الكلاسيكية للرواية، وسعى إلى ايقاظ الوعى عبر تجربة سردية حديثة، تعتمد على النقد الاجتماعى الكثيف لبطل الرواية الذى عاش المعاناة طفلا وشابا، لم يحتمل ضربات الحياة، ووجد نفسه فى مصحة الكوثر، حافة المجتمع الذى يعيش أبناؤه فى تناقضات عديدة، الطبيب والمحامى وضابط الشرطة، الحب والخيانة، الصفاء والضجيج، حلم لا يكتمل، ووطن متقلب.. كم يعانى المجتمع من فائض الاكتئاب، وكم يريد مجتمع «الكوثر» ــ الذى يمثل وطنا للاضطرار؟. ما العلاقة بين الاختيار الطوعى للرحيل «المهجر» وبين الاختيار غير الطوعى للإقامة «الكوثر»؟ إلى متى يظل مفعول العقاقير لمواجهة الاكتئاب؟ هل يمكن أن نعيش بلا عقاقير؟

 

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات