فى أحد الكتب الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة قدم سمير مرقس، المثقف المعروف، كتابا غير نمطى فى تبويبه وأفكاره تحت عنوان «المواطنة والهوية جدل النضال والإبداع فى مصر». ويمثل الكتاب سياحة فكرية مهمة فى المواطنة من مناحٍ شتى، لم يسمح للشأن الدينى أن يصادرها مثلما اتجه البعض فى تعريف المفهوم، بل تطرق إلى التجليات الثقافية والاجتماعية والسياسية للمواطنة، انطلاقا من تصوره الثابت حول «الجماعة الوطنية» التى تجمع فى رحابها كل المواطنين. وأظن أن هذا الكتاب من أنماط الكتابات «التذكيرية» ــ إن صح التعبير ــ بالشخصيات والوثائق والمشروعات الفكرية للعديد من المثقفين من مختلف المشارب السياسية والثقافية الذين أطلوا على مفهوم المواطنة بإطلالات شديدة العمق. وأعتبره «تذكيريا»، لأن الحديث عن المواطنة كان مشتعلا، مبدعا فى العقود الثلاثة التى سبقت أحداث 25 يناير 2011، ثم غاب تحت ركام الحرائق السياسية، والصراعات ما بين اتجاهات مدنية ودينية، والتى آلت إلى خبرة حكم حزينة لمدة عام فى ظل الإخوان المسلمين لم تشهد استيعابا لمختلف مكونات الشعب المصرى، وانتهت بالتحول الذى حدث فى 30 يونيو 2013، ومن بعدها يبدو أن المجتمع بمختلف أطيافه، خاصة السياسية والثقافية، قد أصيب بحالة انهاك، وظهرت اهتمامات جديدة لدى قطاعات عريضة من المصريين خاصة الشباب. ولكن مفهوم المواطنة ظل فى مخيلة الناس، والدليل على ذلك أن الكتب العديدة التى صدرت على هامش الاحتفال بمئوية ثورة 1919 العام الماضى، وفيها الكثير عن نضال المواطنة والديمقراطية، نفدت، وشهدت اقبالا جماهيريا خاصة من الشباب الذين يريدون أن يروا صورا شديدة النزاهة فى نضال أبناء وطنهم.
فى كتاب «سمير مرقس» أحاديث عن المواطنة، مفهوما وتعريفا، وتتبع لمراحل تطور المفهوم فى الخبرة المصرية، وتجلياته المتنوعة، وإطلالة تحليلية على اسهامات عدد من المثقفين. نقرأ عن اجتهادات جمال حمدان، وطه حسين، وسمير أمين، ومحمد سيد أحمد، ووليم سليمان قلادة، ولويس عوض، ويحيى حقى، وأنور عبدالملك، ورشدى سعيد، والسيد ياسين، وطارق البشرى، وصلاح عيسى، وجمال الغيطانى، ومحمد ناجى، ونبيل عبدالفتاح، وأسامة أنور عكاشة، ونبيل مرقس، وآخرين. هذا فضلا عن سرد بعض الوثائق، وتقديم قراءات لبعض النصوص الأدبية والفنية والدرامية التى تناولت المواطنة.
وربما لهذا السبب أطلقت على الكتاب أنه ينتمى إلى الكتابات التذكيرية التى تنعش ذاكرة الأجيال المتلاحقة بنضال المصريين نحو المواطنة، ليس فى زمن بعيد، ولكن فى وقت قريب، سواء رحل أصحاب هذه الاجتهادات، أو لا يزالون على قيد الحياة.