لماذا قامت إيران بتصنيع حاملة طائرات مسيرة؟ - قضايا أمنية - بوابة الشروق
الأربعاء 12 فبراير 2025 11:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لماذا قامت إيران بتصنيع حاملة طائرات مسيرة؟

نشر فى : الأربعاء 12 فبراير 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 فبراير 2025 - 8:15 م

أعلنت إيران، فى 6 فبراير 2025، عن إنتاج أول حاملة للطائرات المسيرة التى أطلقت عليها اسم «الشهيد باقرى»، وذلك بحضور قائد الحرس الثورى «حسين سلامى»، ورئيس هيئة أركان الجيش «محمد باقرى». وبحسب تقديرات القادة العسكريين الإيرانيين، فإن المدى العملياتى للحاملة يصل إلى 22 ألف ميل، فضلاً عن أنها قادرة على الإبحار لمدة عام دون الحاجة إلى التزود بالوقود، وفى ظروف مناخية صعبة تصل فيها درجة الحرارة إلى 9 فى المحيطات. إلى جانب أنها تضم منصات لتزويد المسيرات والزوارق والمروحيات (التى تستطيع حملها أيضا) بالوقود، وتمتلك أنظمة دفاع جوى متطورة قصيرة ومتوسطة المدى تعزز قدرتها على حماية نفسها ضد أى هجوم محتمل.

 


ورغم أن توقيت الإعلان عن تصنيع حاملة المسيرات يمكن تفسيره فى ضوء حلول ما يسمى بـ«عشرية الفجر»، وهى الأيام العشرة (1 ــ 11 فبراير 1979) التى شهدت عودة قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية «روح الله الخمينى» إلى إيران، وإعلان نجاح الثورة فى الإطاحة بنظام الشاه «محمد رضا بهلوى»؛ إلا أن المسألة لا تنحصر فى «رمزية» التوقيت، رغم أهميته بالطبع، وإنما تتعلق بأهداف أخرى تسعى إيران إلى تحقيقها عبر تدشين هذه الحاملة، ولا سيما فى ظل الظروف الجديدة التى طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية.

أهداف عديدة

تسعى إيران عبر هذه الخطوة الجديدة التى تزيد من قدراتها العسكرية ــ بحسب تصريحات قادتها ــ إلى تحقيق أهداف مختلفة، يتمثل أبرزها فى:

1- الاستعداد لعمل عسكرى مضاد: لم تعد إيران تستبعد الانخراط فى مواجهة عسكرية مباشرة سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع إسرائيل، سوف تكون ــ فى الغالب ــ أكثر اتساعا وعمقا من المواجهات التى اندلعت مع الأخيرة على مدى الفترة من أول إبريل وحتى 26 أكتوبر 2024. وربما كان ذلك هو أحد الاعتبارات التى دفعت المرشد الأعلى للجمهورية «على خامنئى» فى اليوم نفسه الذى أُعلن فيه عن تدشين حاملة الطائرات المسيرة، إلى رفض التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن «لدى إيران تجربة سيئة» فى هذا الصدد، فى إشارة إلى الاتفاق النووى الذى توصلت إليه إيران مع مجموعة «5+1» فى 14 يوليو 2015، ثم انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية فى 8 مايو 2018.
وقد كان لافتا أيضا أن هذه الخطوة العسكرية النوعية جاءت بعد تهديدات مباشرة وجهتها إيران إلى إسرائيل من العواقب التى يمكن أن تنجم عن مهاجمة الأخيرة منشآتها النووية، والتى يمكن أن تؤدى إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة، بحسب تصريحات وزير الخارجية «عباس عراقجى»، فى 31 يناير 2025.

2- تعزيز القدرات العسكرية البحرية: كان لافتا أن إيران تركز فى تعزيز قدراتها العسكرية على القوات البحرية تحديدا، وهى إحدى نقاط القوة التى تمتلكها إيران مقارنة بقطاعات عسكرية أخرى تمثل ثغرات واضحة، على غرار سلاح الجو الذى يعتمد على أسطول طائرات متقادم ولم يخضع للتحديث بسبب العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة على إيران. ومن هنا جاء الإعلان عن تدشين حاملة الطائرات المسيرة بعد أيام قليلة من الكشف عن قاعدة بحرية تحت الأرض تضم صواريخ مجنحة قادرة على مواجهة الحرب الإلكترونية للمدمرات المعادية، وذلك فى أول فبراير 2025، وقبلها القاعدة التى تضم صواريخ بحرية، والتى يمكن أن تزود السفن بالصواريخ بعيدة المدى، وتم إنشاؤها على عمق 500 متر تحت الأرض.
3- امتلاك التهديد بإغلاق مضيق هرمز: ترى إيران أنها تمتلك القدرة على إغلاق مضيق هرمز، على نحو يمكن أن يتسبب فى أزمة طاقة على مستوى العالم. إذ يمر عبر المضيق ما بين 18 و19 مليون برميل من خام النفط والمكثفات يوميا، كما تقوم قطر بتصدير معظم الغاز المسال عبر المضيق. لكن إيران تُدرك فى الوقت نفسه أن قدرتها على مواصلة إغلاق المضيق قد تكون محل شك، باعتبار أن القوى الدولية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لن تسمح بذلك، فى ظل التأثيرات الاقتصادية المباشرة والسريعة التى يمكن أن تنتج عن إغلاق المضيق على مستوى العالم، حيث دائما ما تُسارع الأخيرة إلى إرسال حاملات طائرات، وتقوم دول أخرى بإرسال قطع عسكرية مختلفة لحماية المضيق.
ومن هنا، فإن إيران ربما تسعى عبر تعزيز قدراتها البحرية إلى توجيه رسائل مباشرة إلى تلك القوى بأنها تستطيع باستمرار تهديد حركة الملاحة البحرية فى المضيق، خاصةً فى حالة ما إذا تعرضت لعمل عسكرى مباشر، أو نجحت سياسة «الضغوط القصوى» التى أعلن الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، فى 4 فبراير 2025، تجديدها، فى تحقيق الهدف الأساسى منها، وهو «تصفير» الصادرات النفطية الإيرانية، خاصةً أنه أرفق ذلك بفرض عقوبات على شبكة دولية تساهم فى نقل الملايين من براميل النفط الإيرانى إلى الصين، التى تُعد المشترى الأكبر لهذا النفط.

4- الوصول إلى مصالح إسرائيلية مؤثرة: لا تتوقع إيران أن تكتفى إسرائيل بالنتائج التى أسفرت عنها الحرب التى شنتها فى كل من قطاع غزة ولبنان، بدايةً من 7 أكتوبر 2023، حيث نجحت فى القضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية لحركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. كما كان لهذه الحرب دور أساسى فى إسقاط نظام الرئيس السورى «بشار الأسد»، فى 8 ديسمبر 2024، بعد أن أضعفت الضربات العسكرية المتواصلة التى شنتها إسرائيل القدرات العسكرية للأخير، إلى جانب قدرات إيران والمليشيات الشيعية الموالية لها.
وفى رؤية طهران، فإن إسرائيل قد تعمل على استغلال المعطيات الإقليمية الجديدة التى فرضتها هذه الحرب من أجل إضعافها بشكل أكبر، وربما تعزيز فرص إسقاط النظام الإيرانى نفسه، عبر دفعه إلى الانكماش داخل حدود إيران. وقد كانت مواجهة إيران أحد أهم محاور المحادثات التى أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» فى واشنطن مع الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» 4 فبراير 2025، وهو اليوم نفسه الذى أعلن فيه تجديد سياسة «الضغوط القصوى» ضد إيران.
من هنا، فإن إيران تضع ضمن حساباتها مواصلة التصعيد مع إسرائيل من خلال توجيه ضربات ضد المصالح الإسرائيلية فى المياه الإقليمية والدولية، على غرار ما كان قائما قبل وخلال الشهور الأولى من الحرب التى شنتها الأخيرة فى قطاع غزة ولبنان، حيث استهدفت إيران، عبر مسيرات، سفناً عديدة تعود لرجال أعمال إسرائيليين، على غرار السفينة التى هُوجمت فى بحر العرب فى 23 ديسمبر 2023. وبالطبع، فإن إيران تهدف عبر ذلك لرفع كلفة العمليات العسكرية والأمنية التى تقوم بها إسرائيل، سواء على صعيد توجيه ضربات عسكرية ضد الحرس الثورى أو الميليشيات الشيعية الموالية لها، أو على مستوى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، عبر عمليات استخباراتية يقوم بها جهاز «الموساد»، من أجل عرقلة الأنشطة النووية الإيرانية.

تصعيد عسكري

ختاما، فإنه فى ضوء التصريحات التى أدلى بها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية «على خامنئى»، فى 6 فبراير 2025، والتى رفض فيها التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن القول إن إيران قد تتحول من الإعلان عما تسميه «إنجازات عسكرية»، إلى اتخاذ خطوات إجرائية تهدف إلى إثبات قدرتها على رفع كلفة أى عمل عسكرى أو أمنى قد تتعرض له خلال المرحلة القادمة، فى ظل التوافق الملحوظ بين الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ورئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» على استغلال المعطيات الاستراتيجية الجديدة التى فرضتها الحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة ولبنان من أجل الوصول إلى تسوية مع طهران تتماهى مع مصالح وطموحات واشنطن وتل أبيب.


محمد عباس ناجى

مؤسسة إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/4k9rm6aj

 

قضايا أمنية قضايا أمنية
التعليقات