بعد مرور ثلاث سنوات على سقوط نظام مبارك لم يتصارح المجتمع رغم كثرة الكلام، ولا تزال المشاعر السلبية عند قوى ومؤسسات وأفراد قائمة، تفصح عن نفسها بأشكال كثيرة. مثال على ذلك علاقة المواطن بالشرطة.
فى 25 يناير 2011م خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين ضد ممارسات وزارة الداخلية، احتجاجا على انتهاك حقوق الإنسان، وعنوانه الأساسى مقتل خالد سعيد، وتزوير انتخابات 2010م، والتعذيب فى أقسام الشرطة، وغيرها. تحول الاحتجاج ــ نتيجة سوء التعامل معه ــ إلى انتفاضة شعبية واسعة أسقطت النظام، والذى لاحقه اتهام أساسى هو «قتل المتظاهرين السلميين». ظلت وزارة الداخلية تنفى الاتهام، ويقسم وزراء الداخلية المتعاقبون بأن الشرطة لم تقتل متظاهرين، وبرأت المحاكم فى نهاية المطاف رجال الشرطة من قتل المتظاهرين. أصيبت المؤسسة الأمنية بجرح نفسى غائر، ولم تعد تعمل إلا فى أضيق الحدود، بينما زاد شعور المواطن بغياب الأمن فى الشارع. حاول الإخوان المسلمون، بدعوى الإصلاح، الضغط على مفاصل المؤسسة الأمنية، واحتوائها، وتوجيهها لخدمة مصالحهم. فى ثورة 30 يونيو ظهرت الشرطة، التى خرج الناس ضدها فى 25 يناير، متظاهرة محتجة ضد نظام الإخوان المسلمين جنبا إلى جنب مع الناس فى الشوارع. تصور البعض أن الصفحة السلبية السابقة طويت، ولكن يبدو أن المرارات المؤسسية تستمر فترات أطول.
عادت مرة أخرى الشرطة فى تقاطع مع أطراف كثيرة: التيار الإسلامى، عناصر ثورية، حركات الألتراس، منظمات حقوقية، شارع منفلت. الإخوان المسلمين وحلفائهم يحاصرونها باتهامات التعذيب، وانتهاك حقوق الإنسان، ومن ينظر إلى البيانات التى صدرت من جانبهم بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للمرأة يجد فيها اتهامات لأجهزة الأمن بقتل وتعذيب وسحل وسجن المتظاهرات، وأضاف بيان حزب الوسط، فيما لم يذكره الإخوان المسلمون أنفسهم، اتهامات أخرى للشرطة بالتحرش والاغتصاب. ليس هذا فقط، بل إن هناك جهات دولية ــ منظمات، صحف، مكاتب محامين ــ تعمل على توثيق فض اعتصامى رابعة والنهضة، وملاحقة قيادات بعينها، أو على الأقل نشر أسماء ومعلومات عنها. الضغط على الجهاز الأمنى لا يأتى فقط من التيار الإسلامى، ولكن يأتى من قوى شبابية ثورية تتهمهم بالاعتداء عليها، وعلى المسجونين من شبابها، مثلما حدث فى قضية الثلاثى «دومة وماهر وعادل» منذ أيام. يحدث ذلك فى أجواء من الاحتقان المستمر مع تجمعات الالترس، والشارع المنفلت الذى تغير فى السنوات الأخيرة، ويحتاج إلى جهود إضافية لضبطه، ويحمل الناس الشرطة ذاتها مسئولية استمرار انفلاته.
هناك من يرى فى قلب المجتمع السياسى أن الشرطة تريد أن تعود إلى سابق ممارساتها القمعية رافعة لافتة «الحرب ضد الإرهاب»، فى حين ترى قيادات وأفراد الشرطة أن رصاص الإرهاب يصطادهم، وهم يتحملون تركة ثقيلة، والضغوط عليهم تتكاثر من كل جانب.
السؤال هل يمكن أن تستمر هذه الحالة خاصة إذا أردنا أن نحقق التنمية، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، ونرفع مستوى مشاركة المواطن فى الشأن العام، ونحترم حقوق الإنسان، ودولة القانون؟. الإجابة هى أن المجتمع فى حاجة إلى «مصارحة وطنية»، نعرف فيها ما حدث، ولماذا حدث، وكيف نتلافى حدوثه فى المستقبل حتى نتخلص من المشاعر السلبية المطمورة لدى المؤسسات والقوى السياسية والأفراد.