متطرفون ومرضى نفسيون - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:14 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متطرفون ومرضى نفسيون

نشر فى : الثلاثاء 12 أبريل 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أبريل 2022 - 7:15 م
فجأة، وبدون مقدمات، طعن شخص القمص أرسانيوس وديد، على كورنيش الإسكندرية. لم يفعل المجنى عليه شيئا سلبيا للجانى حتى يقترف عمله الإجرامى، لكنه قتله لأسباب كامنة فى نفسيته، ذاته العميقة، التى تحمل تراكم السنين من مشاعر الكراهية والغضب والتعصب ورفض الآخر. وإذا قيل إن القاتل مصاب بمرض نفسى، فإن ذلك لا ينفى أن بداخله رواسب قديمة عفنة تجاه المختلف معه فى الدين، وإلا لماذا لم يعبر عن عدم اتزانه النفسى بعمل إجرامى تجاه آخرين بخلاف رجل الدين الوديع، الهادئ، الذى يقولون عنه أنه كان طيبا رقيقا، تجمعه علاقات طيبة مع كل المحيطين به، مسلمين ومسيحيين.
منذ سنوات، وبالتحديد فى عام 2006، قام شخص آخر فى الإسكندرية، قيل أيضا وقتها أنه يعانى من مرض نفسى، بالتجول بين أكثر من كنيسة يوم جمعة ختام الصوم، أى بداية أسبوع الآلام الذى يسبق عيد القيامة، يطعن الناس بسلاح أبيض، فقتل شخصًا مسنًا فى إحدى الكنائس، وأصاب آخرين، ثم ذهب مستخدمًا وسيلة تنقل لكنيسة أخرى، وحاول فى ثالثة. ولا أعرف على وجه اليقين لماذا ينشط هؤلاء الأشخاص بالقرب من الأعياد المسيحية؟ أتذكر بعد تلك الحادثة أن بعض الصحف تبارت فى نشر روايات وقصص عن حوادث طعن مشايخ، وأشخاص عاديين فى محاولة لإظهار أن هناك لوثة عقلية أصابت البعض، فلجأوا إلى طعن الأبرياء. والملفت أن البعض يفعل اليوم ذلك أيضا!
القضية الأساسية هى التطرف، الذى يشوه نفسية الإنسان، ويزرع فيه الكراهية، ويدفعه إلى ارتكاب جرائم عديدة. يستوى فى هذا بين من ينشر رأيًا يكفر الأقباط، أو يدعو إلى عدم تهنئتهم بالعيد أو مبادلتهم السلام، وبين من يمسك سلاحًا ويقتل، لأن كلاهما أعضاء فى نفس المدرسة وإن اختلفا فى الأسلوب، أو فى موقعهم على سلم التطرف. وأظن أننا لسنا بحاجة أن نثبت أن شخصًا ما يعانى من مرض نفسى عندما يرتكب جريمة نكراء فى حق مسيحى، خاصة إذا كان رجل دين، لأن كل من يرتكب جرائم الطائفية أو الكراهية الدينية أيا كان شكلها هو متطرف، والمتطرف مشوه نفسيا بالضرورة. من يفجر نفسه فى كنيسة، أو يقتل مصلين فى مسجد مثلما حدث فى سيناء، أو يقتل أبرياء من بينهم نساء وأطفال وشيوخ فى ميكروباص قاصدًا دير أو مزار دينى هو بالتأكيد ذو نفسية مشوهة، لأنه أقدم على فعل لا يصدر عن إنسان طبيعى أو سوى، ولم يكن لدم الأبرياء ثمن لديه.
فى كل الأحداث المشابهة نعود دائما إلى المربع رقم واحد، وهو الحديث عن تغيير ذهنية الناس فى المجتمع من التطرف إلى الاعتدال، ومن الكراهية إلى التسامح، ومن رفض الآخر إلى قبوله، وهذا لن يتسنى إلا بالتعليم، والإعلام والثقافة، والمشاركة فى المبادرات الأهلية التنموية التى تجمع مواطنين مسيحيين ومسلمين حتى تنشأ علاقات صحية طبيعية فى المجتمع.
أما المتطرفون، الذين سلموا أنفسهم للكراهية والعنف، ينبغى التصدى لهم، ولا يكتفى أن نبحث فى مرضهم النفسى، لأنهم مرضى وإن لم يعترفوا بذلك، بل نتقصى وراءهم حتى نعرف من زرع الفكر المتطرف فى أذهانهم، ومن أعطاهم السلاح الذى يستخدمونه، ومن حرضهم على الإتيان بالجرائم، إذا كان هناك ثمة محرض بخلاف أنفسهم، فلا نقف عند حدود المنتج النهائى للتطرف، بل نفكك منظومة التطرف برمتها.
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات