في حب كلية الاقتصاد! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 9:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في حب كلية الاقتصاد!

نشر فى : الجمعة 12 مايو 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 12 مايو 2023 - 8:50 م
كثيرا ما تعود بى الذاكرة إلى سنوات دراستى للعلوم السياسية على مستوى البكالوريوس فى جامعة القاهرة، إلى أساتذة رائعين تتلمذت عليهم، ومواد ومقررات قدمت لنا كطلاب بجودة عالية، ومؤتمرات وحلقات نقاشية سمح للطلاب بحضورها وكان لها بالغ الأثر فى تكوينى فكريا وأكاديميا، وزملاء دراسة كانت لهم اهتماماتهم وقراءاتهم وأساليبهم فى النقاش التى أعطت لدفعة «١٩٨٨ علوم سياسية» طابعها الخاص.
التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى خريف ١٩٨٤. وفى السنة الأولى، وهى السنة التمهيدية التى كانت تشتمل على دراسة مقدمات فى الاقتصاد والعلوم السياسية والإحصاء قبل أن يختار الطلاب اعتبارا من السنة الثانية التخصص فى علم من هذه العلوم الثلاثة، كان من حسن طالع دفعتنا أن حاضرتنا أ.د. سلوى سليمان عن مبادئ الاقتصاد معتمدة على كتاب جميل ألفته هى وأ.د. عبدالفتاح قنديل، وأن حاضرنا عن مبادئ السياسة أ.د. محمود خيرى عيسى الذى كان له آنذاك وبالاشتراك مع أ.د. بطرس غالى المؤلف العربى الأهم والمعنون «المدخل إلى علم السياسة».
وما زلت أتذكر جيدا نقاشات بديعة أدارها الدكتور عيسى معنا حول التعريفات المختلفة للسياسة، تارة بكونها تنظيم شئون الدول والمجتمعات والمواطنين من الجنسين، وتارة أخرى بكونها السعى إلى تحقيق الصالح العام وضمان العيش المشترك، وتارة ثالثة باعتبارها أنماط توزيع القوة والسلطة ونتائج ذلك علينا تقدما وتراجعا وسلاما وحربا.
• • •
فى السنة الثانية، وكنت قد تخصصت فى العلوم السياسية، حاضرتنا أ.د. حورية توفيق مجاهد، مستخدمة كتابها «الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبده»، عن الفلاسفة الذين بحثوا فى قضايا الحق والحرية والعدل والمساواة وطرق الحكم وأشكال الحكومات فى الغرب وخارجه. حوى الكتاب شروحا وافية لأفكار لم أكن قد سمعت عنها من قبل وما زالت ذاكرتى تختزنها، عن المدن الفاضلة والديمقراطيات المباشرة والحق الإلهى للملوك والأحكام السلطانية.
فى السنة الثانية أيضا، حاضرنا أ.د. سمعان بطرس عن القانون الدولى وأساتذة متميزون آخرون عن مناهج البحث وتطبيقات الإحصاء فى العلوم السياسية واستخدامات اللغات الأجنبية. غير أن السنة الثانية شهدت أيضا تدريس أ.د. على الدين هلال لمادة النظم السياسية المقارنة وشرحه الرائع دوما لقضايا جوهرية مثل الفصل والتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ودور الدساتير والقوانين فى استقرار النظم السياسية، ومسألة الشرعية وأنماطها. كان انبهار طلبة السنة الثانية بدكتور «على» بلا حدود، وكانت سيطرته بخليط من العلم الغزير والكاريزما الشخصية على قاعة الدرس كذلك بلا حدود.
أما نجم نجوم السنة الثانية فقد كان أ.د. إبراهيم صقر الذى درس لنا نظرية العلاقات الدولية من كتيب (ملزمة) صغير الحجم عظيم القيمة تناول عالم ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (١٩٤٥) وصراعات الحرب الباردة بين المعسكرين الغربى والشرقى وحركة عدم الانحياز ودور مصر بها. كان للدكتور صقر طريقة شيقة فى تقديم المعلومة وشرحها، ولغة جسد كلها حياة وحيوية، وقدرة خاصة جدا على إثارة اهتمام الطلاب بعديد الحكايات الصغيرة من هنا وهناك.
أما الكتيب، فحوى مبحثا يستحيل نسيانه كان عنوانه «الصاروخ الروسى» حلل فيه الدكتور صقر الكيفية التى قلب بها نجاح الاتحاد السوفييتى السابق فى اللحاق بالولايات المتحدة فيما خص صناعة الأسلحة النووية ثم تطويره للصواريخ بعيدة المدى القادرة على حمل رئوس نووية إلى الأراضى الأمريكية، قلب بها العلاقات الدولية رأسا على عقب وحقق «توازن الرعب النووى» الذى أدرك معه الطرفان السوفييتى والأمريكى استحالة التورط فى حرب عالمية لن يكون لها من نتيجة سوى الدمار الشامل المتبادل.
• • •
بين السنة الثانية والسنة الرابعة، تناوب على تدريسنا أساتذة أدين لهم بالكثير من الفضل وأحمل لهم عظيم التقدير لجودة المحتوى التعليمى الذى قدموه ولحرصهم على التحصيل العلمى للطلاب، كان من بينهم أ.د. عز الدين فودة (نظم دبلوماسية وقنصلية)، أ.د فاروق اسماعيل (اجتماع سياسى)، أ.د. على عبدالقادر (نظرية سياسية)، أ.د. محمود اسماعيل (قضايا دولية معاصرة)، أ.د. نازلى معوض (علاقات دولية)، أ.د. نادية مصطفى (علاقات دولية)، أ.د. هدى عبدالناصر (نظم سياسية مقارنة)، أ.د. هالة سعودى (سياسة خارجية). بجانب كافة هؤلاء الأساتذة الأجلاء، أخص بالذكر أساتذة آخرين تتلمذت عليهم بصورة معمقة وربطتنى بهم فيما بعد وشائج تعاون مهنى وصداقة عديدة، هم أ.د. كمال المنوفى صاحب العمل الرائد عن الثقافة السياسية للفلاحين المصريين، أ.د. أحمد يوسف أحمد الذى أنجز أكثر من عمل أكاديمى عن العلاقات العربية ــ العربية، أ.د. حسن نافعة وتخصصه الدقيق هو القانون الدولى والمنظمات الدولية وله إسهامات كثيرة فى التحليل السياسى، وأ.د. مصطفى كامل السيد الذى درس لسنوات طويلة مادة التنمية السياسية وأدار لسنوات طويلة أيضا مركز دراسات التنمية فى كلية الاقتصاد.
• • •
غير أن تحصيل العلوم السياسية فى جامعة القاهرة فى النصف الثانى من الثمانينيات لم يقتصر على قاعات الدرس والمواد والمقررات الإجبارية، بل تجاوزه إلى مشاركتنا كطلاب فى الأنشطة المختلفة التى كانت تحدث من حولنا وتستحوذ على اهتمامنا. هنا تدين دفعة «١٩٨٨»، شأنها شأن دفعات قليلة سبقتها ودفعات كثيرة تلتها، بفضل حقيقى للدكتور «على» الذى كان بصفته مدير مركز البحوث والدراسات السياسية دينامو تنظيم مؤتمرات علمية وحلقات نقاشية ومحاضرات عامة تناولت الأوضاع الداخلية فى مصر والقضايا الإقليمية والتطورات الدولية. سمح لنا كطلاب بحضور تلك الأنشطة والمشاركة فيها عبر طرح الأسئلة، وترك بعضها الأثر البالغ فى تكوينى الفكرى والأكاديمى مثل مؤتمر تناول الدولة فى المشرق العربى وحاضر به أساتذة من العراق (أتذكر منهم أ.د. وميض نظمى) وسوريا (أتذكر منهم أ.د. وليد قذيحة) ولبنان (أتذكر منهم أ.د. وجيه كوثرانى)، وحلقة نقاشية مع المفكر الكويتى أ.د. خلدون النقيب، ومحاضرات عامة لقامات صحفية مصرية كان منهم الأستاذ محمد حسنين هيكل والأستاذ محمد سيد أحمد والأستاذ محمد عودة والأستاذ لطفى الخولى.
• • •
أخيرا، كان لزملائى فى دفعة «١٩٨٨ علوم سياسية»، وعددنا الإجمالى لم يتجاوز ٣٥ طالبة وطالبا، إسهامات مؤثرة. كنا دفعة صغيرة، غير أن تنوع خلفياتنا المدرسية بين حاصلين على الثانوية العامة وحاملين لشهادات ثانوية أمريكية وأوروبية وبين قادمين من خارج القاهرة وقاهريين، وكذلك تنوع خلفياتنا الاقتصادية والاجتماعية وتنوع توجهاتنا السياسية، جميعها عوامل أضفت على نقاشاتنا حيوية حقيقية. وعلمتنا احترام الرأى الآخر والالتزام بأساليب النقاش المتحضرة والاهتمام بالمعلومة والحقيقة للتدليل الفعال على رجاحة مقولة ودحض واستبعاد أخرى.
بفضل أساتذتى والأنشطة الإضافية وتنوع وحيوية دفعتى، حصلت على بكالوريوس العلوم السياسية فى ١٩٨٨ وتوجهت، بعد أداء الخدمة العسكرية، إلى أوروبا من أجل الدراسات العليا. فى جامعات هولندا وألمانيا، لم أشعر يوما غير أن كليتى، كلية الاقتصاد فى جامعة القاهرة، أحسنت إعدادى للماجستير والدكتوراه فى الخارج وإننى تحصيلا وقدرات فكرية وأكاديمية أتواجد فى ذات خانات الطلاب الأوروبيين والأمريكيين وربما أتفوق عليهم.
هذا تقدير للفضل وعرفان بالجميل تأخر طويلا، ورسالة حب لصرح علمى أمضيت بين جنباته بعضا من أجمل سنوات العمر.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات