الناس تحبس أنفاسها فى انتظار القادم يوم «30 يونيو»، هل سيكون تكرارا لنموذج «25 يناير»، أم مجرد مشهد مكرر من الاحتجاج السياسى الذى ينتهى بتعطيل الحياة لأيام لا أكثر. المعارضة تراهن على السيناريو الأول، فى حين أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم يمنون أنفسهم بالسيناريو الثانى، وبين هذا وذاك يفتح المجهول ذراعيه لوطن بأكمله.
خبرات التحول الديمقراطى تقول إن الناس تنزل الشوارع بالملايين عندما يفيض الكيل بها من الاستبداد، لا أحد يسمع لها، ولا يتفاعل مع أنينها، ولا يصغى إلى تطلعاتها، وغالبا ما تكون الحكومات متبلدة، قاسية، لا تتوقع انتفاضة شعبها، فإذا حدث فإن أية محاولة لامتصاصه تأتى باهتة متأخرة خجولة لا تنفع. شاهدنا ذلك فى أوروبا الشرقية، وكذلك فيما عُرف بثورات الربيع العربى.
لا أعرف لماذا ينتظر النظام القائم ــ الذى جاء فى انتخابات شارك فيها الملايين ــ انتفاضة شعبية يقيس حركتها وزخمها فى الشارع حتى يحدد نوعية الخطوات التى يقوم بها. فى الأيام الماضية استمعت من دوائر قريبة من الإخوان المسلمين إلى سيناريوهات عديدة جاهزة للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية إذا شكلت مصدرا لتهديد النظام، منها اختيار حكومة جديدة ترأسها شخصية وطنية عامة محل تقدير من الحكم والمعارضة، وتشكيل لجنة لوضع تعديلات الدستور... الخ.
لماذا لا يفاجئ الرئيس محمد مرسى الناس بتغيير الحكومة، جذريا لا شكليا، اليوم وليس غدا، واختيار نائب عام جديد، ومناقشة وضع ضمانات لإجراء انتخابات حرة نزيهة، ووضع ضوابط لتحقيق «النزاهة التنظيمية» للدولة التى تقوم على الحياد السياسى، والشفافية، والاختيار الكفء للقيادات.
هل مطلوب انتظار أسراب الجراد المهلكة ثم نحدد سبل التعامل معه، أم تفريغ شحنة الغضب الحالية بتلبية مطالب سياسية، معروفة ومعلنة، منذ شهور، ولا تحتاج إلى نقاش حولها. كثير من مطالب جبهة الإنقاذ يتلاقى معها حزب النور «السلفى»، وأحزاب أخرى ليست فى خصومة مع الحكم، ويكاد يكون مطلب تغيير حكومة هشام قنديل محل اتفاق من الجميع.
بما فيهم كثير من الإخوان المسلمين، لماذا إذن الإصرار على بقاء رئيس حكومة لا يمتلك قدرات أو مهارات مواجهة تحديات اللحظة الراهنة بل يزيد مساحات الغضب الشعبى من النظام، والرئيس محمد مرسى تحديدا، الذى تحمله الجماهير مسئولية التدهور فى الأمن، وارتفاع الأسعار، وانقطاع الكهرباء، واختفاء المواد البترولية، ولا تتجه بغضبها إلى الحكومة التى ربما لا يعرف كثيرون أسماء وزرائها أو اسم من يرأسها.
إذا كانت المعارضة ــ فى خطاب البعض ــ تضع البلد فى المجهول فإن الحكم أيضا يشاركها ذات المسلك. كلاهما يفعل الخطأ نفسه. المعارضة تلقى بثقلها خلف الغضب الشعبى لتحسين وضعها، والحكم يعلق استجابته على ما سوف يحدث فى الشارع يوم «30 يونيو».
إذا كان نظام «الرئيس مرسى» أتى بالصندوق، فإن الديمقراطية تقتضى استجابة لتفاعلات المجتمع، وتصحيح مستمر للحركة، وعدم انتظار أن يصل الغليان إلى معدلات خطر حتى نسمع «لقد فهمت».