علماؤنا فى الخارج.. ماذا فعلنا بهم؟ - محمود عبد الفضيل - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 9:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علماؤنا فى الخارج.. ماذا فعلنا بهم؟

نشر فى : الجمعة 12 أغسطس 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الجمعة 12 أغسطس 2016 - 9:20 م
أثار رحيل الدكتور أحمد زويل، عالم الكيمياء المرموق، والحائز على جائزة نوبل، الكثير من الشجون حول علمائنا فى الخارج. وواقع الأمر أن هناك كتيبة كبيرة من العلماء المصريين المتميزين فى جميع المجالات فى العديد من البلدان المتقدمة، وهم يشكلون جزءا مهما من رصيد رأس المال البشرى والمعرفى لبلدهم الأم: مصر. وقد تعددت الأسباب والظروف العامة والخاصة التى دفعت هذه الكتيبة من العلماء للوجود خارج الوطن. فمنهم من أغْرته الإمكانيات والتسهيلات العلمية فى الخارج، ومنهم من استقر فى الخارج لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالحرية الأكاديمية والابداع العلمى.

والدكتور زويل كنموذج هو نتاج الجامعة المصرية فى الستينيات من القرن الماضى عندما كانت الأوضاع العلمية فى الجامعة أفضل حالا، فهو نشأ وتنقل ما بين مدينتى دمنهور ودسوق، وحصل على درجته الجامعية والماجستير من كلية العلوم بجامعة الاسكندرية قبل خروجه لطلب العلم فى الخارج. فالتأسيس العلمى كان فى مصر والانطلاقة العلمية كانت فى الخارج. وتلك قصة متكررة فى مسيرة الآلاف من علمائنا فى الخارج الذين عملت الظروف الطاردة فى مصر والإغراءات الجاذبة فى الخارج على استقرارهم فى خارج الوطن.

**

وهناك فريق من علمائنا فى الخارج نزح من مصر فى الخمسينيات من القرن الماضى فى أعقاب حركة التطهير التى طالت كوكبة من أفضل أعضاء هيئة التدريس الشبان فى الجامعات المصرية فى عام ١٩٥٤ وواصل بعضهم مسيرته العلمية فى الخارج ووصل إلى أعلى المراتب العلمية مثل الدكتور عبدالحميد صبرة، أستاد فلسفة العلوم عند العرب فى جامعة هارفارد، والدكتور مصطفى صفوان، أستاذ علم النفس المرموق فى جامعة باريس. وهناك من صمد فى مصر وتعرض للتنكيل والاعتقال ولم يغادر أرض الوطن، وظل قابضا على الجمر على حساب تواصل مسيرته العلمية.

وهكذا يوجد مزيج فريد من علمائنا فى الخارج يتابعون ما يجرى فى الوطن بشغف كبير ويتمنون للوطن التقدم والصلاح. وهم بحكم طول إقامتهم فى الخارج يمتلكون رؤية نقدية لما يجرى على أرض الوطن ولكن لا يملكون سبيلا للتعبير بشكل منظم وفعال عن هذه الاهتمامات وعن إمكانية مساهمتهم فى إصلاح أحوال الوطن. وقد نجح البعض مثل الدكتور مجدى يعقوب جراح القلب المعروف أن يستكمل مسيرته العلمية بإنشاء مركز لجراحة القلب فى مدينة أسوان، رغم تمتعه بمركز مرموق فى بريطانيا وحصوله على لقب «سير». وهناك من اختار الطريق الأصعب من البداية مثل الدكتور محمد غنيم، مؤسس مركز الكلى والمسالك البولية فى جامعة المنصورة، الذى حوله إلى مركز عالمى فى منطقة الشرق الأوسط رغم صعوبة الظروف وشحة الموارد.

***

ويمكن تعداد الكثير من الأمثلة لعلمائنا فى الخارج الذين يتولون مراكز مرموقة فى الجامعات والمراكز العلمية المتقدمة فى الخارج، ولكن المشكلة تكمن فى غياب الإطار المؤسسى الذى يربط هذا الرصيد الكبير من العلماء المصريين (على اختلاف أجيالهم) ليكونوا على صلة بمشاكل الوطن ويقدمون الحلول ويساهمون فى نهضته. ونظرا لارتباط هؤلاء العلماء وأسرهم بنسيج الحياة فى الخارج فيمكن استقطاب بعض خبراتهم حول قضايا معينة ولفترات محددة ليكونوا جزءا من مسيرة البناء والنهوض فى بلادنا. وتلك تجربة تمت من قبل بنجاح فى حالة إيطاليا بعد سقوط الفاشية ومن خلال محاولة الاستفادة وتعبئة كل الطاقات والخبرات التى غادرت الوطن فى ظل فترة حكم موسولينى. كذلك تمت هذه التجربة بنجاح فى حالة الصين بعد نجاح الثورة وقيام الصين الشعبية عام ١٩٤٩ حيث عاد عدد هام من العلماء فى تخصصات متقدمة للاشتراك فى مسيرة بناء الصين الجديدة رغم صعوبة الظروف الحياتية وتنازل بعضهم عن مزايا الرفاه التى كانوا يعيشونها فى الولايات المتحدة.

***

وتلك التجارب تشير إلى أن حماس العلماء فى الخارج للارتباط بمسيرة البناء فى الوطن تتطلب شروطا موضوعية وذاتية تلهب حماسهم للانخراط فى مسيرة البناء والنهوض الوطنى. وأول هذه الشروط هو تهيئة «بنية الاستقبال» الحاضنة لمجهودات وإسهامات هؤلاء العلماء الذين يودون تكريس جزء من وقتهم وخبراتهم لصالح عملية البناء والتطوير فى الوطن الأم. و«بيئة الاستقبال» هذه لا تقتصر فقط على البنية المادية من معامل وتجهيزات وسرعات الحواسب، بل لابد من توفير الحوافز المعنوية التى تتمثل فى الحرية الأكاديمية والالتزام بالمصداقية العلمية والبعد عن الزيف والتهريج العلمى. وهذا بدوره يحتاج لتوسيع المجال العام وفتح الباب أمام حق الاجتهاد والاختلاف دون تضيق أو تسفيه، لأن بناء الكادر الذى يجمع بين العلم والالتزام الوطنى لا يمكن الاحتفاظ به فى ظل حياه ثقافية راكدة واعلام مدجن وقيادات تتسم بالنفاق والانتهازية.

وتصبح هذه الاشتراطات أكثر إلحاحا فى حالة العلوم الاجتماعية إذ تتعدد المناهج والمقاربات والأطروحات التى تعتبر من طبيعة العلم الاجتماعى. وهذا يقتضى وجود بيئة تتسم بالديمقراطية وقبول الرأى والرأى الآخر. فتعدد المدارس والرؤى فى العلوم الاجتماعية مسألة طبيعية وتختلف بشكل كامل عن العلوم الطبيعية ذات القوانين الصارمة. وفى مجتمع مثل المجتمع المصرى عانى طويلا من الاستبداد والفساد وقام بثورة مجيدة فى ٢٥ يناير لابد من توافر مناخ ديمقراطى حقيقى يشجع على الإبداع العلمى وليس مجرد توفير مناخ يشجع على الاستثمار! إذ أن عملية بناء الأمل لمستقبل هذا الوطن لابد أن ينهض على العلم والديمقراطية والعدل حتى يكون الوطن محل للسعادة للجميع.
التعليقات