بديل ديمقراطى لمصر.. بعض الأفكار القديمة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:10 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بديل ديمقراطى لمصر.. بعض الأفكار القديمة

نشر فى : الجمعة 12 أغسطس 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 12 أغسطس 2016 - 9:25 م
منذ صيف 2013، وأنا أسجل أن تبلور بديل ديمقراطى حقيقى فى بر مصر ليس له إلا أن يستند إلى التحفيز السلمى والمستمر لحراك شعبى يحمل مطالب صريحة بشأن التداول السلمى للسلطة، وإعادة صياغة العلاقات المدنية ــ العسكرية، وصون حقوق وحريات الناس، والانتصار لمعانى العدل الاجتماعى ولمضامين التنمية المستدامة والمتوازنة.

لا بديل ديمقراطى لمصر دون رفض القوانين قمعية الطابع كقانون التظاهر وقانون الكيانات الإرهابية وتعديلات قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية والقضاء العسكرى وغيرها، والمطالبة بتعديلها ديمقراطيا. ويرتبط بذلك جبر الضرر عن ضحايا القمع من شباب وطلاب وعمال يواجهون عقوبات سالبة للحرية، ومن مواطنات ومواطنين يواجهون كارثة الحبس الاحتياطى غير المحدد بأفق زمنى نهائية.

لا بديل ديمقراطى لمصر دون تحفيز الضغوط الشعبية للمطالبة بسد العديد من الثغرات فى البنية الدستورية والقانونية التى تنفذ منها السلطوية الحاكمة وتنتقص من خلالها من حقوق وحريات الناس. نحتاج إلى تنقية الدستور والقوانين من نصوص قديمة وحديثة تعصف بحقوق وحريات المواطن، وتهدد قواعد التقاضى العادل، وتفتح الباب واسعا لتوظيف غير عادل للقانون يسمح بتعقب وقمع وظلم الفقراء وليس الأغنياء، الضعفاء والمهمشين وليس الأقوياء والقادرين، المختلفين مع السلطوية الحاكمة ومعارضيها وليس جموع المؤيدين والمنتفعين والسائرين فى الركب والصامتين خوفا.

لا بديل ديمقراطى لمصر دون مراقبة ومساءلة ومحاسبة مرافق إنفاذ القانون المتحصنة باستخدام قوة الدولة الجبرية، وفى مقدمتها الأجهزة الأمنية، لجهة الالتزام بمبادئ سيادة القانون وضمانات حقوق وحريات المواطن. ويتعلق بذلك التوثيق الممنهج لكافة الانتهاكات التى تتورط بها مرافق إنفاذ القانون، والكشف العلنى عنها، وتحفيز المطالبة الشعبية بمساءلة ومحاسبة المتورطين بغض النظر عن مواقعهم الرسمية وبجبر الضرر عن الضحايا.

لا بديل ديمقراطى لمصر دون إدراك كون احتكار الدولة الوطنية لحق الاستخدام المشروع للقوة الجبرية يمثل ضرورة وجود لها وضرورة حياة وتعايش للمواطن وللمجتمع، وكون أوضاعنا المصرية الراهنة التى تنشر بها عصابات الإرهاب والعنف والتطرف خرائط دمائها وتحمل السلاح وترتكب جرائمها وتخرج على القانون وأوضاع جوارنا الإقليمى الذى تتصاعد حروبه الأهلية وحروب الكل ضد الكل العبثية تقتضى مجتمعة المواجهة الفعالة للإرهاب وللعنف. مثل هذه المواجهة شروطها هى التمسك بحتمية المزج بين الأدوات العسكرية والأمنية وبين الأدوات القانونية والتنموية والمجتمعية، وحتمية أن تتوقف مؤسسات وأجهزة الدولة عن التورط فى العصف بسيادة القانون وفى إجراءات للعقاب الجماعى ترتب صناعة بيئات مواتية للعنف وترفع معدلات قبوله بين بعض القطاعات الشعبية، وحتمية الكف عن تبرير المظالم المتراكمة وانتهاكات الحقوق والحريات الواسعة باستدعاء اليافطة الرسمية للحرب على الإرهاب.

لا بديل ديمقراطى لمصر دون مقاومة علنية لمكارثية السلطوية الحاكمة التى تجرد الفضاء العام من العقل، وتوظف على نحو مباشر وعبر وسطائها من النخب الاقتصادية والمالية والإعلامية هيستيريا العقاب الجماعى والتخوين ومقولات التآمر لتعميم الرأى الواحد واستبعاد الرأى الآخر المدين لانتهاكات الحقوق والحريات ولتبرير إخفاقات الحكم المتكررة. مثل هذه المقاومة تستهدف تحرير قطاعات شعبية مؤثرة من وضعية الخوف من التعقب والتهديد والعقاب والقمع التى توظفها السلطوية من جهة للبقاء، ومن جهة ثانية لإيهام الناس بحتمية الرضوخ لإرادتها.

لا بديل ديمقراطى لمصر دون إحياء ذاكرة الأمل الشعبى فى الدولة الوطنية العادلة والقوية، دون صياغة الروابط العضوية بين نشوء الدولة العادلة وبين إخراج البلاد مما يتكالب عليها من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.

الدولة العادلة والقوية هى نقيض دولة حكم الفرد المستأثر بالسلطة، نقيض دولة الوضعية الاستثنائية، وهيمنة المكون الأمنى على شئون الحكم والسلطة، نقيض دولة استبعاد المواطن والمجتمع المدنى والقطاع الخاص من المشاركة فى إدارة الشأن العام باستقلالية وحرية، نقيض دولة التهديد الدائم بالعقاب والقمع والرفض الدائم للتداول الحر للسلطة. الدولة العادلة والقوية هى أيضا نقيض دولة الامتناع عن تداول الحقائق والمعلومات، نقيض دولة الأسرار والاستعلاء على المواطن بتجاهل مقتضيات الشفافية والمساءلة والمحاسبة، نقيض دولة الوعود غير الموضوعية بالإنجازات غير المسبوقة القادمة والأزمات التى شارفت على الانتهاء بينما الواقع يدلل على محدودية الإنجاز وتراكم الأزمات. الدولة العادلة والقوية هى دولة تعتمد على المواطن والمجتمع لصناعة التقدم والتنمية، ومن ثم تمتنع عن التغول على مبادرات المواطن الطوعية التى تشغل فضاء المجتمع المدنى والقطاع الخاص، وتدرك أن دورها الأساسى بجانب احتكار الاستخدام المشروع للقوة الجبرية، لتمكين الناس من الحياة والمجتمع من التعايش السلمى يتمثل فى صناعة الشروط العامة للتقدم الاقتصادى والاجتماعى وللتنمية المستدامة. هى ليست دولة فرض القيود السلطوية على المنظمات غير الحكومية وفاعلى المجتمع المدنى المتنوعين، وليست دولة استتباع القطاع الخاص عبر ثنائيات تأييد السلطوية الحاكمة نظير الحماية والعوائد، وليست دولة محاباة رءوس الأموال الكبيرة على حساب أصحاب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة أو التمييز ضد المشاركين فى القطاع الخاص من غير المستتبعين للمؤسسات والأجهزة النافذة.

لا بديل ديمقراطى لمصر دون اعتراف أخلاقى وسياسى أمين، لا مراوغة به ولا استعلاء، بالخطايا والأخطاء التى تورطت بها جميع أطراف العمل العام خلال السنوات الماضية ودفعت بسببها محاولة الانتقال الديمقراطى ثمنا باهظا تمثل فى الإلغاء التام والارتداد الكامل إلى السلطوية. ومن بين الخطايا، التى لن تسقط بالتقادم ولا سبيل لتجازوها بالصمت عنها أو بالتقليل من شأنها أو بالاستخفاف بالضحايا وآلامهم أو تلبيسهم هم هوية الجلادين، تأتى خطيئة الامتناع عن إدانة القتل وإراقة الدماء منذ صيف 2013.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات