بين «دفرسوار» زيلينسكى وحروب نتنياهو.. أمريكا عاجزة أم متواطئة؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين «دفرسوار» زيلينسكى وحروب نتنياهو.. أمريكا عاجزة أم متواطئة؟

نشر فى : الإثنين 12 أغسطس 2024 - 6:15 م | آخر تحديث : الإثنين 12 أغسطس 2024 - 6:15 م

يُثبت الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، ورئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أنهما الأكثر قدرة على استغلال حالة الشلل فى اتخاذ القرار فى البيت الأبيض من الآن وحتى 20 يناير المقبل. الأول، فتح «دفرسوار» داخل الأراضى الروسية. والثانى، يعمل حثيثًا على دفع الشرق الأوسط إلى حرب شاملة.
ساند الرئيس الأمريكى جو بايدن بقوة زيلينسكى ونتنياهو فى حربيهما العالميتين، ووصل إلى حد اعتبار حرب أوكرانيا وحرب غزة حربًا واحدة: أنظمة ديمقراطية تقاتل أنظمة استبدادية أو محورًا يمتدُ من غزة إلى بكين مرورا بإيران وروسيا. قال بايدن ذات مرة فى خطاب من المكتب البيضاوى، إنه لن يسمح لحركة حماس والرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالانتصار!
بعد ستة أشهر، يغادر بايدن مُكرها الحياة السياسية؛ أصلًا لم يكن بوده الانسحاب من السباق الرئاسى، لولا الضغوط القوية التى انهالت عليه من الكبار (شخصيات وممولين) فى الحزب الديمقراطى. لكن الرئيس الأمريكى الذى يشعر بمرارة لا تقل عن مرارة خروج منافسه دونالد ترامب من البيت الأبيض فى عام 2020، يُورّث خليفته، سواء الديمقراطية كامالا هاريس أو ترامب، حربين مشتعلتين فى أوروبا والشرق الأوسط.
• • •
يقول البيت الأبيض إن زيلينسكى لم يُعلم واشنطن بالتوغل البرى للجيش الأوكرانى فى منطقة كورسك منذ أيام واحتلاله أكثر من مائة ميل مربع من الأراضى الروسية. أما القيادة الأوكرانية فتؤكد أن معظم دول العالم متقبلة لسلوك كييف وتتفهم اللجوء إلى تغيير قواعد اللعبة للمرة الأولى منذ بدء الحرب قبل 30 شهرًا.
قبل أيام قليلة فقط من التوغل الأوكرانى، تسلّمت كييف الدفعة الأولى من مقاتلات إف-16 الأمريكية الصنع. حدث مرتبط بامتلاك زيلينسكى شجاعة الذهاب خطوة أبعد فى تحدى روسيا واختراق أراضيها، وليس فقط قصفها بالأسلحة الغربية.
السؤال البديهى الذى يطرح نفسه، هل اكتشفت أوكرانيا بنفسها نقطة الضعف فى الدفاعات الروسية فى منطقة كورسك، أم تلقت مساعدة من قمر اصطناعى لدولة كبرى، ما يعيد إلى الأذهان المساعدة الاستخباراتية الأمريكية التى قُدّمت للجيش الإسرائيلى فى حرب 1973، كى يُحقق اختراقًا نحو الضفة الأخرى لقناة السويس؟
• • •
البيت الأبيض نفسه نفى أن يكون نتنياهو قد أبلغه مسبقًا بنيته اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية، فى قلب طهران فى 31 يوليو. هذا الاغتيال وقبله اغتيال القائد العسكرى الكبير فى «حزب الله» فؤاد شكر (السيد محسن) بضربة جوية فى الضاحية الجنوبية لبيروت، وضعا الشرق الأوسط أمام أخطر مرحلة منذ تفجر حرب غزة قبل عشرة أشهر.
عندما هدّدت إيران وحزب الله بالرد، سارع بايدن إلى إرسال أكبر تعزيزات عسكرية أمريكية إلى المنطقة منذ حرب العراق عام 2003، لحماية إسرائيل على نطاق أوسع من الحماية التى قدّمها لها ليلة 13ـ 14 أبريل، عندما أطلقت طهران عشرات المسيّرات والصواريخ ردًا على تدمير قنصليتها فى دمشق ومقتل القائد البارز فى الحرس الثورى الجنرال محمد رضا زاهدى.
لعل خطورة الحشد العسكرى الأمريكى فى البحرين؛ الأبيض المتوسط والأحمر، أنها قد تُشجّع نتنياهو على تسلق الشجرة إلى أعلاها والمبادرة إلى توجيه ضربة استباقية لإيران أو حزب الله، ما دام أن الجيش الأمريكى مستعد لحماية إسرائيل من أى رد سواء من إيران أو حزب الله!
رسائل التحذير التى بعثت بها واشنطن لطهران من مغبة تعريض الاقتصاد الإيرانى لمزيد من المتاعب فى حال وجّهت ضربة قاسية لإسرائيل، تُوحى بأن أمريكا نفسها قد تُشارك فى قصف إيران للمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضى، عندما أعطى الرئيس الأمريكى رونالد ريجان الأمر بقصف قواعد بحرية للحرس الثورى الإيرانى. وهكذا يرفع بايدن سقف التحدى أمام إيران، إلى درجة تجعلها تُفكّر مرتين فى نوعية الرد الذى ستختاره فى نهاية المطاف.
ومن يضمن ألا ينتهز نتنياهو حالة عدم اليقين السياسى فى الولايات المتحدة، من أجل شن ضربة استباقية، وهو موقن بأن بايدن لن يجد مفرًا من الدفاع عنه وإلا سيكون ثمة شك فى صهيونيته.
آخر المحاولات الواهية التى لجأ إليها بايدن هى تحديد 15 أغسطس موعدًا لاستئناف المفاوضات حول وقف النار فى غزة والمضى فى صفقة تبادل الأسرى، وتاليًا خفض التوترات الإقليمية. ووقف الحرب فى غزة يُحقّق هدفًا رئيسيًا لإيران و«جبهات الإسناد» الأخرى من لبنان إلى اليمن.
لكن برغم الإعلان الثلاثى والتهافت الأمريكى على المنطقة، من يضمن أن نتنياهو سيوافق على وقف النار هذه المرة، بعدما تلاعب بالرئيس الأمريكى وبكل موفديه مرارًا منذ عشرة أشهر حتى الآن؟ وما هو المعطى الجديد الذى يجعل واشنطن واثقة بأن هناك فرصة أخيرة للديبلوماسية يتعين استغلالها قبل الانفجار الشامل؟
لا شىء يؤكد بأن نتنياهو لن يفرض شروطًا جديدة هذه المرة على طاولة المفاوضات أو يقوم بعمل عسكرى يجعل حركة حماس لا تقبل بالتفاوض. وخير دليل أنه بعد يومين من الاقتراح الأمريكى القطرى المصرى، أقدمت إسرائيل على ارتكاب مجزرة مدرسة التابعين فى مدينة غزة التى ذهب ضحيتها أكثر من مائة شهيد ومئات الجرحى.
• • •
هذا التلاعُب المكشوف من نتنياهو ببايدن، شجّع صديقه الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أيضا على تجاهل رأى أمريكا عندما أقدم على قرار بمستوى التوغل داخل الأراضى الروسية.. وهذا حدث غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. كما أن زيلينسكى نقل المعركة مع روسيا إلى قلب إفريقيا، من خلال مطاردة النفوذ الروسى فى مالى والسودان.
هذا التوغل الأوكرانى جاء غداة زيارة رئيس مجلس الأمن القومى الروسى سيرجى شويغو لطهران لمناقشة تزويد إيران لروسيا بصواريخ أرض-أرض، حسب الصحف الأمريكية، وهو الأمر الذى سارعت طهران إلى نفيه، بينما كانت صحف أمريكية أخرى تضع الزيارة فى خانة طلب طهران من موسكو الحصول على أنظمة دفاع جوى متطورة تحسبا لحرب محتملة، غير أن الجانبين لم يكن التصعيد فى الشرق الأوسط فى رأس جدول أعمال مباحثاتهما، بينما يُطالب الروس بخفض التوترات فى الشرق الأوسط، وتبقى الحرب مع أوكرانيا شغلهم الشاغل حتى إشعار آخر.
توثيق العلاقات العسكرية بروسيا، قد يكون من بين خيارات الرد الإيرانى على الحشود الأمريكية وعلى التصعيد الإسرائيلى. وأحيانا يأتى الرد السياسى أبلغ من الرد العسكرى، كما حصل مع اختيار حركة حماس لأحد أبرز رموزها فى غزة يحيى السنوار، خلفًا لإسماعيل هنية فى رئاسة المكتب السياسى للحركة.
• • •
يبقى أن مجمل التطورات فى الشرق الأوسط أو فى أوكرانيا أو فى إفريقيا، توحى بأن أمريكا التى حتى رئيسها جو بايدن لا يثق بأنها مقبلة على انتقال سلس للسلطة بعد انتخابات نوفمبر المقبل، لم تعد مرجعية صالحة لإدارة العالم أو لفرض حلول لأزمات مشتعلة مثل تلك التى تُخيم على منطقتنا، بعكس ما كان يحصل منذ انهيار الاتحاد السوفييتى قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، حيث كانت كلمتها هى الأعلى فى معظم القضايا الدولية والإقليمية.

سميح صعب
موقع 180
النص الأصلي

 

التعليقات